الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أن الأئمة رحمهم الله لا يتعمدون مخالفة دليل صحيح صريح البتة، بل مناصبهم من الدين تأبى هذا، وإنما يعرض لأحدهم التأويل أو عدم بلوغ الخبر له أو غير ذلك من الأعذار التي بسطها ابن تيمية في رفع الملام.
واعلم أيضا أن المعتمد عند المالكية هو عدم صحة الائتمام بالمرأة مطلقا سواء كان المؤتم ذكرا أو أنثى، وسواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا، كما في الفواكه الدواني وغيره من كتبهم، لكن نقل الباجي في شرح الموطأ رواية عن مالك بصحة إمامة المرأة للنساء وهي رواية ابن أيمن عن مالك.
وأما دليلهم على ذلك فقد قال في المغني: وقال مالك: لا ينبغي للمرأة أن تؤم أحدا لأنه يكره لها الأذان وهو دعاء إلى الجماعة فكره لها ما يراد الأذان له. انتهى.
فهذا مأخذ المالكية في المنع من إمامة المرأة للنساء، وقد يستدل لهم بعموم: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. وعلى كل فمذهب الجمهور أرجح لثبوت الأخبار به عن عائشة وأم سلمة ولحديث أم ورقة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها، أخرجه أبو داود.
وأما ما أوردته على المالكية فيما يتعلق بصلاة الجنازة فقد انفصلوا عنه بأن الجنازة لا تشترط لها الجماعة أصلا ومن ثم فإنهن يصلين أفذاذا، ومن المالكية من جوز إمامة المرأة في هذه الحال لمكان الضرورة، فلا يبقى في المسألة إشكال عندهم، قال الخرشي في شرحه على خليل: إذا لم يوجد من يصلي على الميت إلا النساء فإنهن يصلين عليه أفذاذا دفعة ولا نظر لتفاوت تكبيرهن ولا لسبق بعضهن بعضا بالتسليم وقيل تؤمهن واحدة منهن كما نقله اللخمي عن أشهب، لأنه محل ضرورة أو مراعاة لمن يرى جواز إمامة المرأة النساء. انتهى.
والله أعلم.