الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يصرف عن السائل الكريم كيد الشيطان ووسوسة الصدر. فإن ما ذكره لا يعدو حدود الإثم كبيرا كان أو صغيرا، وفرق هائل وبون شاسع بين ذلك وبين الكفر، فليس كل من فعل محرما وقع في الكفر، بل ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وقد سبق أن بينا ذلك مع بيان ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، وأن من ثبت إسلامه بقين فلا يزول بالشك، وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 721، 8106، 106396، 53835.
وطالما أن السائل الكريم يعلم أنه يعاني من الوسوسة، فليبادر لعلاجها وليجتهد في ذلك ويشغل به نفسه، ولا يسترسل معها بل يطرحها عن ذهنه وينتهي، ويستعيذ بالله منها ومن شرها، ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا. فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. رواه مسلم.
قال النووي: أَيْ الْمُتَعَمِّقُونَ الْغَالُونَ الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُود فِي أَقْوَالهمْ وَأَفْعَالهمْ اهـ.
وقد تقدم لنا بيان سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 70476 ، 48325 ، 60628 ، 51601.
وأما قول السائل: (هل هناك معصية تؤدي إلى الكفر ويشترط في إسلام صاحبها شيء آخر غير النطق بالشهادتين) فجوابه: أن كل أسباب الكفر والردة يصح إسلام صاحبها بالتوبة منها والنطق بالشهادتين.
فهذا يكفي للحكم بإسلامه، ولكن قد يوجد بعض الأمور لا تخلو ذمة صاحبها من الإثم وإن كان إسلامه صحيحا إلا بفعل ضدها، كمن كتم شيئا من الشريعة وبدله ونسبه لله تعالى؛ ليضل الناس بغير علم، فلابد في توبته من بيان الحق للناس ما دام قادرا على ذلك، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* {البقرة:159، 160}.
وأما قول السائل: (هل يصح دخول شخص في الإسلام والنطق بالشهادتين وهو مصر على بعض المعاصي .. وهل يصح دخول شخص في الإسلام والنطق بالشهادتين وجسمه أو ملابسه متسخة ؟) فجوابه: أن الإسلام يصح في كلا الحالين، أما الأولى فقد سبق أن بينا أنه لا تلازم بين الإصرار على المعصية وبين الكفر، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 130184. وأما الحال الثانية فهي أظهر من التعليق عليها.
والله أعلم.