الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في أن احتياط المرء لدينه وعمله بالقول الذي به يخرج من خلاف العلماء من الأمور الحسنة التي يحمد صاحبها لدلالته على الورع، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن بنته الحسن رضي الله عنه بقوله: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وشرع صلى الله عليه وسلم لأمته اتقاء الشبهات فقال: ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، متفق عليه، ويتأكد هذا الأمر -وهو الأخذ بالأحوط- إذا كان الخلاف قويا وكانت الأدلة في المسألة متكافئة.
ولكن على المسلم أن يتوسط فلا يقوده هذا الاحتياط إلى التنطع والدخول في حد الوسوسة، وهذه المسألة -التي كثر منك السؤال حولها- من المسائل التي يتأكد فيها الأخذ بالأحوط لمن لم يترجح له قول من الأقوال، ووجه ذلك أن جمهور العلماء يرون أن القصر سنة ومن أتم في السفر فصلاته صحيحة، وأما الجمع فهو رخصة تركها أولى، فإذا قصرت وجمعت في هذه المسافة المختلف في كونها سفرا كانت صلاتك باطلة عند الجمهور إذا لم تبلغ المسافة المعتبرة وهي أربعة برد أو ما يساوي ثلاثة وثمانين كيلومترا تقريبا، وإذا أتممت فصلاتك صحيحة عند الجميع، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنك تقول إنك ستقصر دون أن تتحرى هل بلغت المسافة ما هو معتمد عند الجمهور أو هل هذا سفر عرفا أو لا؟ فبقول من إذن ستعمل؟ اعلم أيها الأخ الكريم أنه لا يجوز لك الترخص برخص السفر إلا إذا تحققت من توافر الشروط المعتبرة لإباحة الترخص، وأما الإعراض عن ذلك بزعم التخفيف أو نحو ذلك فلا يسوغ، فإن كنت ترى رجحان القول باعتبار العرف وكنت من أهل الترجيح أو تقلد من يفتي بذلك فلك الأخذ بقوله شريطة أن تتحقق من وجود الشرط وهو كون هذه المسافة تعد سفرا في العرف، وإن اختلف العرف أو لم ينضبط فقد نص الشيخ العثيمين وهو ممن يرجح الرجوع في هذا إلى العرف على أنه يرجع في هذه الحال إلى المسافة المعتبرة عند الجمهور وانظر الفتوى رقم: 136550، وأما ما ذكرته من تحرجك من مخالفة الجماعة فليس ذلك بعذر يبيح لك الترخص حيث لم توجد شروطه، بل إنك تذكر لهم مذهبك في المسألة وأنك تقلد فيها الجمهور مثلا، فإن وافقوك فبها، وإلا فصل أنت الصلاة لوقتها تامة.
والله أعلم.