الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي عليه جمهور أهل العلم وهو المرجح عندنا أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية.
قال ابن قدامة في المغني: إذا ثبت أنه يعتبر فيه اللفظ، فاللفظ ينقسم فيه إلى صريح وكناية، فالصريح يقع به الطلاق من غير نية والكناية لا يقع بها الطلاق حتى ينويه أو يأتي بما يقوم مقام نيته. انتهى.
وذهب الحنابلة إلى أن الزوج إن نطق بكناية الطلاق بعد سؤال الطلاق أو غضب أو خصومة وقع الطلاق ولو لم ينوه.
ففي الروض المربع ممزوجا بزاد المستنقع الحنبلي: ولا يقع بكناية ولو كانت ظاهرة طلاق إلا بنية مقارنة للفظ، لأنه موضوع لما يشابهه ويجانسه فيتعين ذلك لإرادته له، فإن لم ينو لم يقع إلا حال خصومة أو حال غضب، أو حال جواب سؤالها. فيقع الطلاق في هذه الأحوال بالكناية ولو لم ينوه للقرينة، فلو لم يرده في هذه الأحوال أو أراد غيره في هذه الأحوال لم يقبل منه حكما لأنه خلاف الظاهر من دلالة الحال ويدين فيها بينه وبين الله تعالى. انتهى.
ولم نجد في كتب الحنابلة تفريقا في سؤالها الطلاق بين أن تكون جادة في طلبها وبين أن يكون هازلة، فلم يتعرضوا لهذا التفصيل، لكن الظاهر أنه لا يمكن التسوية بين الحالين لأنها إذا كانت هازلة فلاينبغي أن يصدق عليها أنها طالبة له.
وهذا الذي ذهب إليه الحنابلة لا يفيد أن الكناية لا تفتقر إلى نية وإنما رأو أن حال الخصومة وحال الغضب وحال سؤال الزوجة الطلاق هي قرائن على أن الطلاق مقصود ولو كان بلفظ الكناية، فلم يقبلوا فيه نية الزوج عند التقاضي. وذهب المالكية إلى تقسيم الكناية إلى ظاهرة وخفية فالكناية الظاهرة هي ما يدل على الفرقة وليس صريحا في الطلاق والخفية هي ما لا تحتمل الطلاق بوجه نحو اسقني الماء.
قال ابن عرفة: والكناية الخفية ما معنى لفظه مباين له. فأما الكناية الظاهرة فيقع الطلاق بها عندهم ولا تنصرف عنه إلا أن يقصد بها الزوج غير الطلاق، والخفية لا تكون طلاقا إلا بالنية.
جاء في الفواكه الدواني للنفراوي: والحاصل أن ألفاظه يعني الطلاق المستعملة فيه على ثلاثة أقسام: صريحة، وكناية ظاهرة، وكناية خفية. والصريحة لا تنصرف عنه ولو نوى غيره، والكناية الظاهرة تنصرف إليه ولا تنصرف عنه إلا بالنية، والخفية لا تنصرف إليه إلا بالنية. اهـ.
وهذا المذهب مرجوح كما قدمنا.
والله أعلم.