الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد
فالقنوت في صلاة الصبح من المسائل التي انتشر الخلاف فيها وكثر فيها الاحتجاج من العلماء ما بين مثبت وناف، وعلى كل فالعلماء متفقون على صحة الصلاة في كلا الحالين سواء قنت أو لم يقنت، وإنما تنازعهم في الأفضل من ذلك والأولى.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: القسم الثاني: ما اتفق العلماء على أنه إذا فعل كلا من الأمرين كانت عبادته صحيحة، ولا إثم عليه: لكن يتنازعون في الأفضل.. وفيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، ومسألة القنوت في الفجر، والوتر، والجهر بالبسملة، وصفة الاستعاذة ونحوها من هذا الباب.. فإنهم متفقون على أن من جهر بالبسملة صحت صلاته، ومن خافت صحت صلاته وعلى أن من قنت في الفجر صحت صلاته، ومن لم يقنت فيها صحت صلاته وكذلك القنوت في الوتر. انتهى.
فإذا علمت ما ذكرناه فاعلم أنه ينبغي لك أن تتابع إمامك في القنوت لأن المسألة من مسائل الاجتهاد والإمام إنما جعل ليؤتم به، وهذا كلام نفيس لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى رحمة واسعة نسوقه لك لفائدته، فقد قال بعدما قرر عدم مشروعية المداومة على قنوت الصبح ما عبارته: ومن قال: إنه من أبعاض الصلاة التي يجبر بسجود السهو، فإنه بنى ذلك على أنه سنة يسن المداومة عليها بمنزلة التشهد الأول، ونحوه. وقد تبين أن الأمر ليس كذلك، فليس بسنة راتبة، ولا يسجد له لكن من اعتقد ذلك متأولاً في ذلك له تأويله، كسائر موارد الاجتهاد. ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد، فإذا قنت قنت معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به. وقال: لا تختلفوا على أئمتكم. وثبت عنه في الصحيح أنه قال: يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم. ألا ترى أن الإمام لو قرأ في الأخيرتين بسورة من الفاتحة وطولهما على الأوليين: لوجبت متابعته في ذلك فأما مسابقة الإمام فإنها لا تجوز.
فإذا قنت لم يكن للمأموم أن يسابقه، فلا بد من متابعته، ولهذا كان عبد الله بن مسعود قد أنكر على عثمان التربيع بمنى، ثم إنه صلى خلفه أربعاً، فقيل له: في ذلك؟ فقال: الخلاف شر. وكذلك أنس بن مالك لما سأله رجل عن وقت الرمي، فأخبره، ثم قال: افعل كما يفعل إمامك. انتهى.
وعن الإمام أحمد رواية أنه يسكت ولا يتابع الإمام في قنوت الصبح.
قال في المبدع: وذكر أبو الحسين رواية فيمن صلى خلف من يقنت في الفجر أنه يسكت ولا يتابعه. انتهى.
والراجح ما ذكرناه لك من أن المشروع هو متابعة الإمام في القنوت لا السكوت ولا تكرار دعاء الرفع من الركوع.
قال العلامة العثيمين رحمه الله: من صلى خلف إمام يقنت في صلاة الفجر فليتابع الإمام في القنوت في صلاة الفجر، ويؤمن على دعائه بالخير، وقد نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى. انتهى.
وأما مفارقة الإمام لكونه يقنت في الصبح فلا تسوغ البتة، لما فيها من المفسدة، ولأنها مفارقة لغير عذر إذ المسألة من مسائل الاجتهاد كما عرفت، ومفارقة الإمام لغير عذر تبطل الصلاة عند كثير من العلماء، وانظر لذلك الفتوى رقم: 136577.
والله أعلم.