الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس صحيحاً أننا نقول بأنّ الخلع لا يشترط له موافقة الزوج، وإنما الذي في الفتاوى أنّ الأصل ألا يتم الخلع إلا بموافقة الزوجين، لكن في حال تضرر الزوجة من البقاء مع زوجها وامتناع الزوج من مخالعتها يجوز حينئذ للقاضي أن يحكم بالخلع ولو لم يرض الزوج، وانظر في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 105875 ، 126259.
وهذه المسألة مختلف فيها بين العلماء و أكثرهم على عدم جواز خلع القاضي دون رضا الزوج وبعضهم يقول بجواز ذلك، وهو الذي رجحّه الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين (رحمهما الله).
قال الشيخ ابن باز: مثل هذه المرأة يجب التفريق بينها وبين زوجها المشار إليه ، إذا دفعت إليه جهازه ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس لما أبغضته زوجته وطلبت فراقه ، وسمحت برد حديقته إليه : « اقبل الحديقة وطلقها تطليقة » (2) . رواه البخاري في صحيحه ، ولأن بقاءها في عصمته ، والحال ما ذكر يسبب عليها أضرارا كثيرة ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لا ضرر ولا ضرار » (1) ، ولأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، ولا ريب أن بقاء مثل هذه المرأة في عصمة زوجها المذكور من جملة المفاسد التي يجب تعطيلها وإزالتها والقضاء عليها ، وإذا امتنع الزوج عن الحضور مع المرأة المذكورة إلى المحكمة وجب على الحاكم فسخها من عصمته ، إذا طلبت ذلك وردت عليه جهازه للحديثين السابقين وللمعنى الذي جاءت به الشريعة واستقر من قواعدها. اهـ من مجموع فتاوى ابن باز.
وقال الشيخ ابن عثيمين: لو أننا ما تمكنا من الجمع بين الزوجين بأي حال من الأحوال، فأبى أن يطلق، وأبت هي أن تبقى عنده، فذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الخلع حينئذ بشرط أن ترد عليه المهر كاملاً، ذهب إلى هذا بعض علماء الحنابلة، وشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ يقول عنه تلميذه ابن مفلح: إن شيخنا اختلف كلامه في هذه الصورة، هل يجب الخلع أو لا؟ مع أن بعض علماء الحنابلة صرح بوجوب الخلع والإلزام به، واستدلوا بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال لثابت ـ رضي الله عنه ـ: «خذ الحديقة وطلقها» ، وقالوا: الأمر للوجوب؛ ولأنه لا سبيل إلى فك هذا النزاع والشقاق إلا بهذا الطريق، وفك النزاع والشقاق بين المسلمين أمر واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا القول هو الصحيح؛ لأنه لا مضرة عليه، فماله قد جاءه، وبقاؤهما هكذا، هي معلقة لا يمكن أن تتزوج، وهو كذلك غير موفق في هذا النكاح لا ينبغي.. اهـ من الشرح الممتع على زاد المستقنع.
والله أعلم.