الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن زوجك قد وقع في جملة من المخالفات الشرعية؛ ومنها قيامه بضربك ضربا مبرحا ولطمك على وجهك، وهذا غير جائز لأن الأصل عدم جواز ضرب الزوجة، وإنما أجازه الشرع في حدود ضيقة وبضوابط معينة سبق بيانها بالتفصيل في الفتوى رقم: 69.
ومن هذه الضوابط ألا يكون مبرحا، فالضرب المبرح لا يشرع بحال، ومنها ألا يكون على الوجه لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه. واللفظ للبخاري، وعند مسلم: إذا قاتل أحدكم أخاه... قال النووي: وفي رواية: لا يلطمن الوجه. قال العلماء: هذا تصريح بالنهي عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن، وأعضاؤه نفيسة لطيفة وأكثر الإدراك بها، فقد يبطلها ضرب الوجه، وقد ينقصها، وقد يشوه الوجه، والشين فيه فاحش لأنه بارز ظاهر... قال: ويدخل في النهي إذا ضرب زوجته أو ولده أو عبده ضرب تأديب فليجتنب الوجه. انتهى كلام النووي.
وأيضا فإن تصريحه بالتشاؤم منك، وطلبه منك مغادرة بيته، كل هذا ينافي العشرة بالمعروف التي أمر الله بها الأزواج بقوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. {النساء: 19}، ولكنا مع ذلك نوصيك بالصبر على زوجك وتجنب ما يغضبه ويثير حفيظته من نحو ما كان منك من دعائه عليه أن يحرم من أمه، خصوصا وأن الدعاء على هذا النحو غير جائز لأنه دعاء بالإثم والقطيعة.
ونصيحتنا لهذا الزوج أن يتقي الله ربه، ويحسن معاشرة زوجته، ويمتنع عن التعامل مع النساء الأجنبيات، فإنه باب عظيم للفساد والشر، وندعوه أيضا إلى تقدير مشاعر زوجته، ومراعاة ما جبلت عليه المرأة من الغيرة، ونذكره بخلق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في مثل هذا، فعن أنس من رواية أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام قال فضربت بيدها فكسرت القصعة قال ابن المثنى فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل يجمع فيها الطعام ويقول غارت أمكم. زاد ابن المثنى: كلوا فأكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها وفي لفظ آخر قال: كلوا وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
أما قوله اذهبي لبيت أهلك ما أريدك ترجعي الشقة. فهذا من كنايات الطلاق، وكنايات الطلاق لا يقع بها الطلاق إلا بالنية. قال ابن قدامة في المغني: إذا ثبت أنه يعتبر فيه اللفظ، فاللفظ ينقسم فيه إلى صريح وكناية: فالصريح يقع به الطلاق من غير نية، والكناية لا يقع بها الطلاق حتى ينويه أو يأتي بما يقوم مقام نيته. انتهى. فإن كان يقصد بهذا اللفظ الطلاق فإن الطلاق يقع وإن لم يقصد به الطلاق فلا يترتب على ذلك شيء.
والله أعلم.