الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الإعراض عن السفيه والعفو عن الظالم مرتبة فضلى يسعى العبد التقي النقي أن يكون من أهلها، حتى ولو لم يكن السفيه أو الظالم أهلا للعفو، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَابْتَدَأْتُهُ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِفَوَاضِلِ الْأَعْمَالِ. فَقَالَ: يَا عُقْبَةُ، صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمَكَ. رواه أحمد، وصححه الألباني. وقد سبق لنا تفصيل ذلك مع ذكر الخيارات الثلاثة المتاحة للمظلوم مع ظالمه، وذلك في الفتويين: 114087، 30075
فإن استصعب على المسلم أن يقابل الإساءة بالإحسان، وأن يعفو عن ظالمه، ويعرض عن سفهه، فله أن يقتص لنفسه بقدر مظلمته، دون تعد ولا بغي، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم. رواه مسلم.
ففي هذا الحديث جواز الانتصار بشرط تحقيق المثلية وعدم التعدي بالكذب أو القذف أو سب الأسلاف.
قال النووي: معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له. وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}. وقال تعالى: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}. ومع هذا فالصبر والعفو أفضل؛ قال الله تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. ولحديث: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام، كما قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لأسلافه. فمن صور المباح أن ينتصر بـ: يا ظالم، يا أحمق، أو جافي، أو نحو ذلك، لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف. اهـ.
هذا وقد سبق لنا تعريف السفيه وذكر أنواع السفه في الفتوى رقم: 120315.
والله أعلم.