الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما بيع العقار فقد وردت بعض الآثار التي تفيد الترغيب في الاحتفاظ به وعدم بيعه إلا أن يجعل ثمنه في مثله، كما في سنن ابن ماجه عن سعيد بن حريث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من باع دارا أو عقارا فلم يجعل ثمنه في مثله كان قمنا أن لا يبارك فيه. وعن حذيفة بن اليمان: من باع دارا ولم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له فيها. وحسنهما الألباني رحمه الله.
وفي مسند أحمد: عن سعيد بن حريث قال سمعت رسول الله يقول: من باع عقاراً كان قمناً أن لا يبارك له إلا أن يجعله في مثله أو غيره. وحسنه شعيب الأرنؤوط بمجموع طرقه.
وإن صحت تلك الآثار فإنها لا تدل على حرمة بيع العقار وإنما الترغيب في إعمار الأرض إحياء لها.
قال المناوي في فيض القدير: لأنه خلاف تدبيره تعالى في جعل الأرض مهادا. وأما إذا جعل ثمنها في مثلها فقد أبقى الأمر على تدبيره الذي هيأه له فيناله من البركة التي بارك فيها، فالبركة مقرونة بتدبيره تعالى لخلقه. وفي المعتصر من المختصر: فكان من باع عقارا باع ما بارك الله عز وجل فيه فعاقبه إذا استبدل بغيره وأن يجعله غير مبارك له فيه.
وأما العقار الموقوف فلا يجوز بيعه ولا التصرف فيه بما يخرجه عن وقفيته ما دامت منافع الوقف باقية لم تتعطل، لقوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه لما استأمره في شأن أرض له بخيبر: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر، أنها لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب. متفق عليه.
لكن إن كانت الدولة قد صادرت العقار الموقوف لمصلحة وعوضت عنه ثمنا ما فليجعل ثمنه في مثله أو بعض مثله إن أمكن ذلك.
جاء في الروض المربع: ويصرف ثمنه في مثله، لأنه أقرب إلى غرض الواقف فإن تعذر مثله ففي بعض مثله.
ويصير البديل وقفا بمجرد شرائه، أما بيعه وأخذ الثمن ووضعه في أسهم ونحوها فإن هذا يخالف مقصود الواقف كما أن شراء الأسهم بذلك الثمن فيه غرر وتعريض مال الوقف إلى الضياع، وإنما يجعل الثمن في عقار ولو كان دون الأصل لأنه أقرب إلى مقصود الواقف كما تقدم.
والله أعلم.