الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الكلام لا يصح، لا من حيث الجملة ولا من حيث التفصيل.
فأما الجملة فليس لماء المطر علاقة بعلاج المس والسحر والعين، ولو كان ذلك كذلك لاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم حين أصابه السحر، ولبينه صلى الله عليه وسلم لأمته، فهو الرؤوف الرحيم بها، وقد قال أبو ذر رضي الله عنه: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما. رواه الطبراني، وصححه الألباني.
ومما علمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص المطر أن الدعاء لا يرد حال نزوله، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 75849.
وكذلك التبرك به لكونه حديث عهد بربه، كما في حديث مسلم المذكور في سؤالك، وراجعي الفتوى رقم: 112435.
وأما من حيث التفصيل، فرجز الشيطان المذكور في آية الأنفال قد فسره ابن عباس رضي الله عنهما وغيره بما هو منقول في السؤال، فلا يصح بعد العلم بالمراد به أن نقول: (لا شك أن المس والسحر والعين هي من رجز الشيطان). خاصة وأن ذلك ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بأحداث القصة وسير المعركة، فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم يعانون من مس أو سحر أو عين يعوقهم في حربهم للمشركين !!
ثم إن الشيطان لم ينصرف من المعركة بعد نزول المطر وإنما انصرف بعد نزول الملائكة، فهذا كبير الشياطين وزعيمهم يصور لنا القرآن موقفه يوم بدر حيث يقول الله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ. {الأنفال: 48}.
وقد أجمع المفسرون أو كادوا أن ذلك حدث لما رأى الشيطانُ الملائكةَ ومعهم جبريل عليه السلام، حيث أيد الله المسلمين بإنزال الملائكة، كما قال الله تعالى بعد ذكر إنزال المطر: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا. {الأنفال: 12}. وليس هؤلاء من عموم الملائكة بل هم خيرهم وأفضلهم، كما ثبت في الصحيحين أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين. قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة.
والمقصود أن الشيطان لم ينكص على عقبيه عند نزول المطر، بل فعل ذلك لما رأى الملائكة، وفي هذا بيان واضح لكون ماء المطر وغيره من أنواع المياه ليس طاردا للشيطان، وفيه إبطال صريح للخرافة المذكورة في السؤال: (ومع التجارب فإن سكب الماء البارد طارد للشياطين ومؤذ بل وحارق لهم، فكيف بماء المطر أثناء نزوله) ؟!!
ولمزيد الإيضاح نورد قوله تعالى: وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ. {الأنبياء: 82}. وقوله سبحانه: وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ. {ص: 37}. فالشياطين وهم مخلوقون من النار قد أقدرهم الله لا على تحمل المياه فحسب، بل على الغوص فيها. ولا إشكال في ذلك؛ لأن أصل الخلقة شيء وحقيقتها بعد ذلك شيء آخر، وإلا فكيف يعذب الشيطان بالنار يوم القيامة، وكيف يتألم الإنسان بل ويموت بسبب الطين وهو مخلوق منه؟! وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 13655.
ومسألة أخرى فجة ومستنكرة، وهي تفضيل ماء المطر على ماء زمزم، حيث يقول كاتب هذا الموضوع: (إن كان الاغتسال بماء زمزم نافعا فمن باب أولى أن المطر أنفع ... )! فهذا خطأ فاحش وجهل فاضح، ويكفينا في رده أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم؛ فيه طعام الطعم وشفاء السقم. قال المنذري وتبعه الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات، وابن حبان في صحيحه اهـ. وصححه الألباني.
ولذلك كان هذا هو الماء الذي غسل به صدر النبي صلى الله عليه وسلم قبل معراجه إلى السماء، كما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري .. الحديث.
وراجعي في فضل ماء زمزم الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 3491، 8709، 37315.
والله أعلم.