الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فللرد على هذا السؤال تجدر الإشارة إلى ما يلي:
1. أن السفر من أجل السعي لطلب الرزق مشروع في الجملة، ولا مانع للمرء منه سواء كان طلبا للتوسعة أم كان لتحصيل ضرورة العيش، لكن ينضبط ذلك بضوابط أهمها أن لا يؤدي إلى الوقوع في محرم كتضييع حق الوالدين أو السفر إلى البلاد التي لا يأمن المرء على نفسه فيها الفتنة.
2. أن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله تعالى، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني. رواه البخاري.
3. أن تقديم الغير في الحظوظ الدنيوية هو الإيثار الذي ورد مدح أصحابه في الكتاب العزيز. قال تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. {الحشر:9}.
فقد قال الإمام القرطبي رحمه الله: الإيثار هو: تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة. تفسير القرطبي.
4. أن من تردد في أمر مشروع بين الإقدام عليه والإحجام عنه، فينبغي له الاستخارة والاستعانة بالله تعالى وسؤاله سبحانه أن يوفقه ويهديه إلى ما فيه الخير والرشاد، ثم استشارة من يثق بدينه وورعه ونصحه وعقله وتجربته، فقد قيل: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.
فاستخر الله واستشر أهل نصحك، وأجمع أمرك وامض فيما انشرح له صدرك، فإنه لا حرج عليك في الأخذ بأي شيء مما تتردد فيه، فإذا وجدت عملا في بلدك تجد منه كفايتك وكفاية من تلزمك نفقته فربما كان بقاؤك مع أهلك وأولادك ووالديك خيرا لك، وإن كنت لا تجد ذلك فاصبر على الاغتراب حتى ييسر الله لك الرجوع إلى بلدك.
ونسأل الله أن يوفقك.
والله أعلم.