الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنصيحتنا لهذا الرجل هداه الله أن يتقي الله تعالى، وليعلم أن أفضل ما يدفع به ضيق الصدر والهم والغم الإكثار من ذكر الله تعالى والإقبال عليه.
فعليه إذا ضاق صدره واشتد به الهم أن يلجأ إلى الله تعالى، ويدعوه ويكثر من ذكره، فإن ضيق الصدر سرعان ما يزول بذلك، وليلزم الدعوات التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تقال في مثل هذه الحال، كدعوة يونس عليه السلام: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فإنه ما دعا بها مكروب قط إلا فرج الله كربه، وكالدعاء المشهور: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك... فإن من دعا به أذهب الله تعالى همه وأبدله مكانه فرجا، فكيف يعدل عاقل عن هذا العلاج النبوي العظيم التأثير المتحقق النفع ويلجأ إلى رقى الشيطان وسماع المعازف والألحان.
ألا فليعلم أن هذه الأغاني لا تزيل همه بل تزيده، وأن معصية الله تعالى لا خير فيها ولا تطلب فيها الراحة البتة، بل هو حين يطلب الراحة مما أصابه بالإقبال على تلك الأغاني يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، بل إن المعاصي هي أعظم جالب لضيق الصدر كما يعرف ذلك كل من ذاق حلاوة الطاعة وعرف ألم المعصية.
يقول ابن القيم رحمه الله: وأما تأثير الاستغفار في دفع الهم والغم والضيق، فلما اشترك فى العلم به أهل الملل وعقلاء كل أمة أن المعاصي والفساد توجب الهم والغم، والخوف والحزن، وضيق الصدر، وأمراض القلب، حتى إن أهلها إذا قضوا منها أوطارهم، وسئمتها نفوسهم، ارتكبوها دفعا لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم، كما قال شيخ الفساق:-يعني أبا نواس-:
وكأس شربت على لذة * وأخرى تداويت منها بها
وإذا كان هذا تأثير الذنوب والآثام في القلوب، فلا دواء لها إلا التوبة والاستغفار. انتهى.
فعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله تعالى، وليعلم أنه إن كان صادقا في حبه لكتاب الله تعالى فإن محبته له وشغفه به وإقباله عليه وإكثاره من تلاوته وسماعه تكون أعظم أنسا له ويتسلى بها عن كل ما يصيبه من هم وضيق صدر، وأن محبة القرآن تطرد من القلب ما عداها من محبة ما يغضب الله تعالى من المعازف والغناء كما قال ابن القيم رحمه الله:
حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان
نسأل الله لنا ولجميع المسلمين الهداية والتوفيق لما فيه خير الدنيا والآخرة.
والله أعلم.