الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن تُعدي عليه بالسب فالأفضل أن يعرض عن الجاهلين، فإن لم يستطيع أن يتخلق بهذا الخلق الفاضل، فليس له إلا أن يقتص بقدر مظلمته دون تعد ولا بغي، ومن التعدي والبغي أن يسب المسبوب والدي الساب، حتى لو كان الساب قد سب والدي المسبوب، لأنهما لا ذنب لهما في جناية ولدهما، كما قال عز وجل: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. {الأنعام: 164}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ـ وابن ماجه، وحسنه الألباني.
ولذلك نص أهل العلم على أنه لا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لأسلافه، فقال النووي في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم. رواه مسلم.قال: معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جواز الانتصار، ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، قال الله تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور. ولحديث: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا.
واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام، كما قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق.
ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بـ: يا ظالم، يا أحمق، أو جافي أو نحو ذلك، لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف. اهـ.
وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 137122.
فبمثل هذه الألفاظ يمكن للمسبوب أن يرد على ظالمه، ولا يتعداها لوالديه على أية حال.
والله أعلم.