الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
وأما مسألة مظلومية إبليس!! فهي من المضحكات المبكيات، فهذه الدعوى الكاذبة لم يدعها إبليس نفسه، بل وسيقر في نهاية الأمر أنه هو وأتباعه هم الظالمون، كما قال تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. { إبراهيم: 22 }.
قال ابن كثير: إن الظالمين ـ أي: في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل ـ لهم عذاب أليم. هـ.
ثم نقول لأخينا السائل: هون عليك، فمدار الإشكال على عقدة الجبر، وهي باطلة، فالله تعالى وإن كان قد قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، إلا أن هذا لا يعني أبدا أن الله سبحانه أجبرهم وقهرهم على فعل المعاصي، وإلا فأين مشئية العبد وقدرته واكتسابه لفعله؟ فالله عز وجل قد مكن الإنسان من الاختيار، وجعل له قدرة وعقلا، وهداه النجدين، وهو يختار بمشيئته أي الطريقين شاء، كما قال تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ. { الكهف: 29 }. وقال: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا. { المزمل: 19 }. وقال: فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا. {النبأ: 39 }. وقال: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ* فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ. { عبس: 11ـ 12 }.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كما لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينزل الأبرار منازل الفجار، فاسلكوا أي طريق شئتم، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، وحسنه الألباني.
وقد سبق لنا بيان معنى الجبر والاختيار، وإبطال الاحتجاج بالقدر على المعاصي، في الفتاوى التالية أرقامها: 49314، 2887، 67894.
كما سبق لنا التنبيه على أن الإيمان بالقدر لا يعني أن الإنسان مجبر على أفعاله، بل له اختيار في الأمور التي يترتب عليها الثواب والعقاب، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 128141، 4054، 36591.
والله أعلم.