الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وأن يعيذك من شر نفسك، وأن يصرف عنك كيد الشيطان وشركه، وأن لا يحرمك أجر الصابرين.
ثم اعلمي ـ أختنا الكريمة ـ أن تشكِّي المريض إن كان على سبيل الجزع والضجر والتسخط على قدر الله، فهو مذموم ومنافٍ للصبر الواجب، فإن الصبر الجميل الذي يحصل به الأجر والفضل العظيم هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله تعالى، وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 28045، ورقم: 61485.
ولا يخفى أن قول السائلة: هل لم يكفني ما أعانيه من مرض مزمن؟ ظاهره الضجر، وفيه شيء من الجزع، وهذا يخالف حال الصابرين وراجعي الفتوى رقم: 99498.
ومع ذلك، فالتوبة تَجُبُّ ما قبلها ـ بالغا ما بلغ ـ والأعمال بالخواتيم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
فعليك أن تتوبي إلى الله من هذا القول، وأن تستقيمي على سلوك الصبر وبذلك يبدل الله تعالى هذه السيئة حسنة، كما قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. {الفرقان: 70 }.
هذا إذا كان هذا الذي ذكرتِهِ قد نطقتِ به بالفعل، وأما إن كان مجرد خاطر وحديث نفس ووسوسة صدر، دون أن يستقر في القلب أو ينطق به اللسان، فلا بأس عليك من ذلك، قال النووي في كتاب الأذكار: الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى الانفكاك عنه. وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل. قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر، قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه. هـ.
قال ابن حجر في الفتح: ويمكن أن يستدل لذلك من عموم قوله: أو تعمل ـ لأن الاعتقاد هو عمل القلب. هـ.
وقول السائلة: ولم أعد إليه مرة أخرى ـ يدل على أن ذلك لم يستقر ـ ولله الحمد.
والله أعلم.