الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المأذون في اتخاذه نصا هو كلب الصيد والحرث والماشية، واختلف العلماء هل يقاس عليها الكلب المتخذ لحفظ الدور ونحوها.
قال العراقي في طرح التثريب: وقال أصحابنا وغيرهم : يجوز اقتناء الكلب لهذه المنافع الثلاثة وهي الاصطياد به، وحفظ الماشية، والزرع . واختلفوا في اقتنائه لخصلة رابعة، وهي اقتناؤه لحفظ الدور والدروب ونحوها فقال بعض أصحابنا: لا يجوز لهذا الحديث وغيره فإنه مصرح بالنهي إلا لأحد هذه الأمور الثلاثة, وقال أكثرهم، وهو الأصح : يجوز قياسا على الثلاثة عملا بالعلة المفهومة من الحديث وهي الحاجة. انتهى.
وإذا علمت أن الراجح هو جواز اتخاذ الكلب للحراسة، فاعلم أن ضابط ذلك هو وجود الحاجة، والحاجة تقل بلا شك مع تقارب الدور وانتشار الأمن، وتكثر مع عكس ذلك، ولكن إذا وجدت تلك العلة لم يمنع من اتخاذ كلب الحراسة ولو مع تقارب الدور ونحو ذلك، فإن وجود الحاجة لذلك متصور بلا شك.
وأما من يزعم أنه اتخذ الكلب للحراسة وليس الأمر كذلك فليعلم أنه متجاوز لحدود الله تعالى، وأن تلك الدعوى وإن راجت على الناس في الدنيا فإنها لا تروج على الله تعالى، فإنه يعلم نيات العباد وسرائرهم وما تكنه ضمائرهم، وهو تعالى لا تخفى عليه خافية، وليحذر أن يكون من الداخلين في قوله تعالى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ. {البقرة:9} .
وننبه ههنا إلى أن الأولى لمتخذ كلب الحراسة ألا يدخله البيت، بل يحرص على جعله خارج البيت، لئلا يؤدي وجوده في البيت إلى تنجيس الأوعية والفرش والثياب ونحو ذلك، وأمر نجاسة الكلب والتغليظ فيها معلوم، ولأن كثيرا من العلماء يرجحون أن الملائكة تمتنع من دخول البيت الذي فيه كلب وإن كان مأذونا في اتخاذه. وهذا ما نص عليه النووي في شرح مسلم.
قال رحمه الله: قال الخطابي : وإنما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور ، فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه، وأشار القاضي إلى نحو ما قاله الخطابي، والأظهر أنه عام في كل كلب، وكل صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر ؛ فإنه لم يعلم به ، ومع هذا امتنع جبريل صلى الله عليه وسلم من دخول البيت، وعلل بالجرو، فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل. انتهى.
والله أعلم.