الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذه الكفارة لم تجزئك في قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، فإن مذهبهم أن القيمة لا تجزئ في كفارة اليمين مطلقا، وعليه فالواجب عليك هو أن تستأنف إخراج الكفارة فتطعم عشرة مساكين أو تكسوهم، أو تعتق رقبة. فإن عجزت صمت ثلاثة أيام كما نص الله تعالى على ذلك، ولا بد من دفع الكفارة إلى المساكين طعاما أو كسوة، ولا بد من أن يكونوا عشرة فلو دفعت المقدار الواجب لأقل من عشرة أجزأ عن العدد المدفوع إليه فقط، وهذا كله مذهب الجمهور، وأما الأحناف فإنهم يجوزون إخراج القيمة في الكفارة. ويجوزون إطعام مسكين واحد عشرة أيام، ولكنهم لا يجوزون دفع طعام الأيام العشرة لمسكين واحد في يوم واحد، ولا يجزئ عندهم في هذه الحال إلا عن مسكين واحد.
وعليه فإن ما دفعته من مال أجزأك عن عدد تلك الأسرة عند الحنفية، ونخشى ألا يكون مجزئا عن أكثر من هذا العدد، وانظر لتفصيل مذهب الحنفية ومعرفة ما يلزمك والحال هذه عندهم الفتوى رقم: 137617.
وعلى كل تقدير فمذهب الجمهور أحوط وأبرأ للذمة وأوفق لظاهر القرآن، فالذي نراه لك أن تستأنف إخراج الكفارة على الوجه المتقدم ذكره موافقة لمذهب الجمهور.
جاء في المغني لابن قدامة رحمه الله: مسألة : قال-أي الخرقي- : ولو أعطاهم مكان الطعام أضعاف قيمته ورقا لم يجزه، وجملته أنه لا يجزىء في الكفارة إخراج قيمة الطعام ولا الكسوة في قول إمامنا ومالك و الشافعي و ابن المنذر. وهو ظاهر قول من سمينا قولهم في تفسير الآية في المسألة التي قبلها، وهو ظاهر من قول عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء و مجاهد وسعيد بن جبير والنخعي وأجازه الأوزاعي وأصحاب الرأي لأن المقصود دفع حاجة المسكين وهو يحصل بالقيمة.
ولنا قول الله تعالى : { إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم }. هذا ظاهر في عين الطعام والكسوة فلا يحصل التكفير بغيره لأنه لم يؤد الواجب إذا لم يؤد ما أمره الله بأدائه، ولأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء ولو جاز القيمة لم ينحصر التخيير في الثلاثة، ولأنه لو أريدت القيمة لم يكن للتخيير معنى لأن قيمة الطعام إن ساوت قيمة الكسوة فهما شيء واحد فكيف يخير بينهما ؟ وإن زادت قيمة أحدهما على الآخر فكيف يخير بين شيء وبعضه ؟ ثم ينبغي أنه إذا أعطاه في الكسوة ما يساوي إطعامه أن يجزئه وهو خلاف الآية. وكذلك لو غلت قيمة الطعام فصار نصف المد يساوي كسوة المسكين ينبغي أن يجزئه نصف المد وهو خلاف الآية ولأنه أحد ما يكفر به فتعين ما ورد به النص كالعتق.
والله أعلم.