الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالوافاء بالوعد من خصال الخير وخلال البر، ولا يختلف المسلمون في مشروعيته، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم إخلاف الوعد من خصال المنافقين، وأثنى الله تعالى على إسماعيل ـ عليه السلام ـ بأنه كان صادق الوعد، وفي الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صهرا له من بني عبد شمس قال: حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي.
والأدلة على مشروعية الوفاء بالوعد كثيرة جدا، وإن كان أكثر العلماء على أنه مندوب إليه لا واجب، وأنه لا يأثم من أخلف الوعد وإن فاته الفضل، ورجح كثير من العلماء لزوم الوفاء بالوعد مطلقا، ومنهم من رجح لزوم الوفاء به إذا أدخل الموعود في ورطة، وقد أجاد العلامة الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في ذكر الأقوال في المسألة وعرض الأدلة ورجح القول بلزوم الوفاء بالوعد، فقال في خاتمة بحثه هذا ما عبارته: فإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة وما استدل به كل فريق منهم، فاعلم أن الذي يظهر لي في هذه المسألة ـ والله تعالى أعلم: أن إخلاف الوعد لا يجوز، لكونه من علامات المنافقين، ولأن الله يقول: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ.
وظاهر عمومه يشمل إخلاف الوعد، ولكن الواعد إذا امتنع من إنجاز الوعد لا يحكم عليه به ولا يلزم به جبراً بل يؤمر به ولا يجبر عليه، لأن أكثر علماء الأمة على أنه لا يجبر على الوفاء به، لأنه وعد بمعروف محض. والعلم عند الله تعالى. انتهى.
وبما ذكرناه يتبين لك أنه لا إثم عليك لو تركت الاعتمار الموعود به رأسا عند الجمهور، وأنك تأثم بذلك عند بعض العلماء، وما دمت قد التزمت بهذا الأمر وليس عليك فيه كبير مشقة ـ كما هو الظاهر ـ فالذي ننصحك به أن لا تقصر في ذلك، وأن تبادر بوفاء هذه الوعود قبل أن تنتهي مدة دراستك بمكة، وذلك تحصيلا لفضيلة الوفاء بالوعد وخروجا من خلاف من أوجب ذلك، وأيضا فإنك مثاب على إحسانك لمن تعتمر عنهم ـ إن شاء الله تعالى ـ وفي حالة عدم وفائك بما وعدت، فإنه ينبغي أن تخبر الموعود بعدم فعلك للعمرة، ليعتمروا عمن لزمته العمرة ولم يؤدها.
والله أعلم.