الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وأجمع عليه الصحابة والتابعون والأئمة، أن الله تعالى بائن من خلقه، مستو على عرشه، وعرشه فوق سماواته، وقد سبق لنا تفصيل ذلك وبيان أدلته وأقوال الأئمة فيه، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 6707، 66332، 4117، 107461.
كما سبق لنا بيان اعتقاد أهل السنة في علو الله وفوقيته بأدلته والجواب على ما أثير حوله من شبهات، وإيراد النقول عن الأئمة في ذلك، في الفتاوى التالية أرقامها: 46017، 69060، 76111، 41493.
وكذلك مسألة السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك والتوسل به سبق لنا بيانها، فراجع الفتاوى التالية أرقامها: 124583، 52015، 80355.
وأما إطلاق المجسمة والمشبهة والحشوية: على من يثبت صفات الله تعالى كما يليق بجلاله، فشنشنة قديمة، يراد بها التنفير من مذهب أهل السنة والجماعة، وراجع تفصيل ذلك وجوابه في الفتاوى التالية أرقامها: 105571، 128269، 64272.
وأما من هم أهل السنة؟ والفرق بينهم وبين الأشاعرة والماتريدية، فراجع فيها الفتاوى التالية أرقامها: 38987، 117397، 113886، 62721 10400.
ومنها ستعلم أن هذه المرأة المذكورة في السؤال قد خالفت أهل السنة في هذه المسائل المشار إليها، وأنها وافقت في ذلك الأشاعرة والصوفية.
وأما أقرب الطوائف لأهل السنة: فهم الأشاعرة، وهم يطلقون على أنفسهم لقب أهل السنة، وسبب ذلك أن أصلهم كان الاعتزال، ثم خالفوا المعتزلة واقتربوا من أهل السنة، وهم وإن كانوا أقرب من غيرهم للسنة، إلا أنهم خالفوا أهل السنة في مسائل ليست بالهينة، وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 117496. وأما ما يتعلق بالمراجع: فراجع له الفتويين التاليتين: 48489، 4550.
وأما مسألة حكم وصف السائل لهذه المرأة بالكاذبة، فلابد من النظر له باعتبارين:
الأول: باعتبار الباعث عليه والغرض من ورائه، فإنه من المفترض أن يكون ذلك من باب إنكار المنكر والنصيحة لرواد المنتدى، وبيان الحق وتمييزه ليتضح لهم، لا من باب السباب والشتم المجرد.
والاعتبار الثاني: موافقة ذلك للواقع، فإن وصف الإنسان بما ليس فيه بغي وتعد، بخلاف ما إذا كان فيه ودعت الحاجة شرعا إلى وصفه به.
والمقصود أن ننبه على أن هذا الوصف للمرأة إن كان موافقا للواقع والغرض منه النصيحة ـ كما قدمنا ـ فليس به بأس، بل قد يكون مطلوبا في بعض الأحيان.
ثم ينبغي أن يوضع في الاعتبار وصف هذه المرأة هي الأخرى للسائل بالجهل والتجسيم والتشبيه.
وهنا ننبه على أمر مهم، وهو أن هذه المرأة في دعواها أنها من أهل السنة، وأن المسائل التي طرحتها موافقة لمذهب أهل السنة، إن كانت تظن صدق نفسها وإصابتها في ذلك، فهذا لا يخلصها من وصف الكذب بالمعنى العام، والذي يتضمن الخطأ، قال القرطبي في المفهم: كثيرا ما يطلق الكذب بمعنى الخطإ. هـ.
وقال الخطابي في معالم السنن: العرب تضع الكذب موضع الخطإ في كلامها، فتقول: كذب سمعي وكذب بصري، أي زل ولم يدرك ما رأى وما سمع ولم يحط به.
ومن هذا قول النبي صلى اللّه عليه وسلم للرجل الذي وصف له العسل: صدق الله وكذب بطن أخيك. هـ.
وأما النصيحة لإدارة المنتدى ولأعضائه: فهي تنبيههم على أن مشاركتهم في هذا المنبر العام، الذي يمكن أن يطلع عليه الناس في المشارق والمغارب، يحتم عليهم التحري فيما يكتبون، فإنهم إن أصابوا كان أجرهم على قدر الانتفاع بهم، وكذلك وزرهم إن أخطئوا، قال تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ.{ النحل: 25 }.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. رواه مسلم.
وقد أحسن من قال:
وما من كاتب إلا سيبلى ويبقى الدهر ما كتبت يداه.
فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه.
هذا، وننصح للإدارة على وجه الخصوص بضرورة تخليص منتداهم من المخالفات الشرعية المنتشرة في أكثر المنتديات، سواء في الشكل أو في المضمون. ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 124391، للأهمية.
والله أعلم.