الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا رفعت الزوجة أمرها للقاضي ليزجر زوجها عن إيذائها بالضرب أو الشتم، فلا بد أن تقيم بينة على ما تدعيه فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ. متفق عليه.
لكنّ المقصود بالبينة هو كلّ ما يبين الحقّ ويظهره، فيكفي في ذلك ـ مثلاً ـ إخبار ثقة واحد، قال الخطيب في شرح المنهاج ـ شافعي: وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِ, وَأَشْكَلَ الأَمْرُ بَيْنَهُمَا تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ الْوَاقِعَ بَيْنَهُمَا بِثِقَةٍ وَاحِدٍ يَخْبُرُهُمَا, وَيَكُونُ الثِّقَةُ جَارًا لَهُمَا, فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ أَسْكَنَهُمَا فِي جَنْبِ ثِقَةٍ يَتَعَرَّفُ حَالَهُمَا ثُمَّ يُنْهِي إلَيْهِ مَا يَعْرِفُهُ, وَاكْتَفَى هُنَا بِثِقَةٍ وَاحِدٍ تَنْزِيلا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الرِّوَايَةِ، لِمَا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْعُسْرِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الثِّقَةِ أَنْ يَكُونَ عَدْلَ شَهَادَةٍ، بَلْ يَكْفِي عَدْلُ الرِّوَايَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلامِهِمْ اعْتِبَارُ مَنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِخَبَرِهِ، لأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لا الشَّهَادَةِ. مغني المحتاج.
والمقصود أن إقامة البينة على تعدي الزوج على زوجته ممكن، والمرجع في تحديد وسائل الإثبات إلى القضاء فهو صاحب الاختصاص.
وأما تأديب الرجل لزوجته إذا نشزت عليه: فذلك له، لأنّ الله جعل له القوامة عليها، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ. { النساء: 34 }. والرجل مؤتمن على زوجته.
قال القرطبي: وولى الأزواج ذلك دون الأئمة، وجعله لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينات ائتمانا من الله تعالى للأزواج على النساء.
وقال الخطيب الشربيني: ويتولى تأديبها بنفسه على ذلك ولا يرفعها إلى قاض ليؤدبها، لأن فيه مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد وتوحيشا للقلوب بخلاف ما لو شتمت أجنبيا، وينبغي ـ كما قال الزركشي ـ تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلا فيتعين الرفع إلى القاضي.
والله أعلم.