الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحديث الذي ذكره السائل صحيح، فقد رواه البخاري وغيره ولكنه قد ذكر أهل العلم أن المراد منه كثرة العمل وقلته، وليس طول الزمان وقصره.
قال ابن حجر في فتح الباري: لا يلزم من كونهم أكثر عملاً أن يكونوا أكثر زماناً لاحتمال كون العمل في زمنهم كان أشق، ويؤيده قوله تعالى: ربنا ولا تحمل علينا أصراً كما حملته على الذين من قبلنا. ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته لا بالنسبة إلى طول الزمان وقصره كون أهل الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون المدة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة، لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا إن مدة الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم وسلم ستمائة سنة، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان، وقيل إنها دون ذلك حتى جاء عن بعضهم أنها مائة وخمسة وعشرون سنة، وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر ولا قائل به، فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته. انتهى.
ويؤيد ما ذكرناه أن ظاهر حديث البخاري: إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس. ظاهر هذا الحديث يفيد أن نسبة حياة هذه الأمة إذا قورنت بمن سبقها من سائر الأمم يساوي نسبة ما بعد العصر من النهار كما قال الحافظ في الفتح: معناه أن نسبة مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الأمم مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار. انتهى.
والله أعلم.