الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا أرادت المرأة العمرة فإنه يسن لها أن تغتسل للإحرام ولو كانت حائضا أو نفساء، قال الشيخ العثيمين رحمه الله: والاغتسال عند الإحرام سُنَّةٌ في حق الرجال والنساء، حتى المرأة الحائض والنفساء، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر أسماء بنت عُميس حين ولدت محمد بن أبي بكر في ذي الحليفة في حَجّة الوداع أمرها فقال : اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي. رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه. انتهى.
ثم تلبس ثيابها والمرأة تحرم فيما شاءت من الثياب غير أنها لا تتبرج بزينة ولا تغطي وجهها بالنقاب ولا كفيها بالقفازين، قال الشيخ العثيمين: وأما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب غير أن لا تتبرج بزينة، ولا تنتقب ولا تلبس القفازين وتغطي وجهها عند الرجال غير المحارم. انتهى،
ثم الأولى أن تجعل إحرامها عقب فريضة فإن لم يكن صلت ركعتين سنة الإحرام، ثم تهل بالنسك فتقول لبيك اللهم بعمرة، ثم تكثر من التلبية وذكر الله تعالى بعد تلبسها بالنسك، والأولى أن تلزم تلبية النبي صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، ولو لبت بغير ذلك مما ورد عن الصحابة فلا بأس، ولا يشرع لها أن ترفع صوتها بالتلبية بل تلبي بصوت منخفض لأنها مأمورة بالتستر، قال الشيخ العثيمين: وأما المرأة فلا ترفع صوتها بالتلبية ولا غيرها من الذكر لأن المطلوب في حقها التستر. انتهى.
ثم إذا كانت خائفة من عائق يعوقها عن إتمام النسك فإنها تشترط فتقول: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الحج وهي شاكية أن تشترط، قال الشيخ العثيمين: وأما من لا يخاف من عائق يمنعه من إتمام نُسكه فلا ينبغي له أن يشترط، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم أحرم ولم يشترط، وقال : « لتأخذوا عني مناسككم»، ولم يأمر بالاشتراط كل أحدٍ أمراً عاماً، وإنما أمرَ به ضُباعة بنت الزبير لوجود المرض بها، والخوفِ من عدم إتمام نُسكها. انتهى، وقال أيضا: وينبغي للمُحرم أن يُكثر من التلبية لأنها الشعارُ القولي للنُسك خصوصاً عند تغير الأحوال والأزمان، مثل أن يعلو مرتفعاً، أو ينزل منخفضاً، أو يُقبل ليلٌ، أو نهار، أو يهمَّ بمحظور أو مُحرَمّ أو نحو ذلك. انتهى.
ثم تستمر المرأة في التلبية من الإحرام إلى أن تشرع في الطواف، فإذا وصلت المسجد الحرامَ قدمت رجْلَها اليمنى لدخوله، وقالت: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذُ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبُسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. وتدخل بخشوع وخضوع وتعظيم لله عز وجل، مُستحضرةً بذلك نعمةَ الله عليها بتيسير الوصولِ إلى بيته الحرام، ثم تتقدم إلى البيت متجهة نحو الحجر الأسود لابتداء الطواف، ولا يشرع لها أن تزاحم الرجال بل تحرص على التستر والبعد عن مخالطتهم ما أمكن.
ففي البخاري أن عائشة رضي الله عنها كانت تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم، فتجتهد المرأة في التصون والبعد عن الاختلاط ما أمكن، ثم لا تلام على ما وقع من ذلك بغير اختيارها مما تدعو إليه الضرورة، فإذا حاذت الحجر أشارت إليه وكبرت، ثم تجعل البيت عن يسارها وتطوف سبعة أشواط لا ترمل في شيء منها، وتكثر الذكر والدعاء ولا تتكلم إلا بخير، وتدعو بما شاءت في أثناء الطواف، وتكثر أن تقول بين الركنين اليمانين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وكلما حاذت الحجر فعلت ما ذكرناه، ويشترط في الطواف أن تكون طاهرة من الحدثين الأصغر والأكبر مجتنبة للنجاسة لأن الطواف بالبيت صلاة كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فرغت من الأشواط السبعة صلت ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر، وإلا ففي أي مكان في المسجد، تقرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد، ثم تخرج إلى المسعى فإذا دنت من الصفا قرأت: إن الصفا والمروة من شعائر الله (الآية) وتسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط مبتدئة بالصفا مختتمة بالمروة، ولا بد من استيعاب المسافة التي بين الجبلين جميعها، ولا يشرع لها أن ترقى على الصفا ولا على المروة، ولا أن تسعى بين العلمين الأخضرين بخلاف الرجل.
قال في كشاف القناع: (والمرأة لا ترقى) الصفا ولا المروة (ولا تسعى) بين الميلين سعيا (شديدا) لقول ابن عمر ليس على النساء رمل بالبيت ولا بين الصفا والمروة، وقال لا تصعد المرأة فوق الصفا والمروة ولا ترفع صوتها بالتلبية. رواه الدارقطني ولأن المطلوب منها الستر، وفي ذلك تعرض للانكشاف والقصد بشدة السعي إظهار الجلد وليس ذلك مطلوبا في حقها. انتهى.
وتكثر في سعيها من ذكر الله تعالى والدعاء بما شاءت، فإذا فرغت من السعي قصرت من شعرها، والأولى أن تقصر من جميع الشعر خروجا من الخلاف، فتقصر من طرف كل ظفائرها وليس عليها حلق بخلاف الرجال، فإن الحلق في حقهم أولى من التقصير، قال الشيخ العثيمين: وأما المرأة فتُقَصر رأسها بكل حال، ولا تحلق، فتقصر من كل قَرنٍ أُنملة. انتهى.. وبذا تكون عمرتها قد تمت، وثم فروع كثيرة وتفصيلات للعلماء في أحكام العمرة ومحظورات الإحرام لا تتسع لبسط جميع ذلك هذه الفتوى المختصرة.
ولكننا نختم بسياق طرف من كلام النووي رحمه الله فيما تخالف فيه المرأة الرجل من الأحكام المتعلقة بالنسك، قال في المجموع: قال أي- أي الماوردي- أما أركان الحج والعمرة فلا يختلف الرجل والمرأة في شيء منها ، وإنما يختلفان في هيئات الإحرام ، فهي تخالف في أشياء:
أحدها: أنها مأمورة بلبس المخيط كالقميص والقباء والسراويل والخفين، وما هو أستر لها، لأن عليها ستر جميع بدنها غير وجهها وكفيها، والرجل منهي عن المخيط وتلزمه به الفدية.
الثاني: أنها مأمورة بخفض صوتها بالتلبية، والرجل مأمور برفعه لأن صوتها يفتن، ويستحب لها أن تختضب لإحرامها بحناء والرجل منهي عن ذلك، وتخالفه في أشياء من هيئات الطواف، فمنها، أن الرمل والاضطباع يشرعان للرجل دونها، قال الماوردي: هي منهية عنهما، بل تمشي على هينتها، وتستر جميع بدنها غير الوجه والكفين.
الثالث: يستحب لها أن تطوف ليلا لأنه أستر لها، والرجل يطوف ليلا ونهارا، قال الماوردي وغيره: ويستحب لها أن لا تدنو من الكعبة في الطواف إن كان هناك رجل وإنما تطوف في حاشية الناس، والرجل بخلافها، قال السرخسي: وهكذا يستحب لها في الطريق أن لا تخالط الناس وتسير على حاشيتهم تحرزا عنهم، قال أصحابنا: وتخالفه في أشياء من هيئات السعي أحدها: أنها تمشي جميع المسافة بين الصفا والمروة، لا تسعى في شيء منها بخلاف الرجل، والثاني: ذكره الماوردي أيضا أنها تمتنع من صعود الصفا والمروة والرجل يؤمر به، والحلق في حق الرجل أفضل من التقصير، وتقصيرها هي أفضل من حلقها، بل حلقها مكروه. انتهى.
وإنما نقلنا منه ما يتعلق بالعمرة خاصة بتصرف واختصار.
والله أعلم.