الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت قد أعطيت هذا الرجل هذه الدنانير بنية الزكاة وكان يغلب على ظنك أنه من أهل الزكاة فقد أجزأك ذلك عن الزكاة الواجبة، وخبره عن نفسه بأنه محتاج يكفي في أن تدفع الزكاة إليه، جاء في الشرح الكبير لابن أبي عمر: وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله، لأن الأصل عدم الغنى، فإن رآه جلدا وذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، إلى أن قال: وإن رآه متجملا قبل قوله ـ أيضا ـ لأنه لا يلزم من ذلك الغنى، بدليل قوله سبحانه: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ.
{البقرة:273}.
لكن ينبغي أن يخبره أنها زكاة، لئلا يكون ممن لا تحل له، وإن رآه ظاهر المسكنة أعطاه منها ولم يحتج أن يبين له شرط جواز الأخذ، ولا أن ما يدفعه إليه زكاة.
انتهى.
فإن ظهر كونه غير مستحق بعد هذا فالأحوط أن تخرج الزكاة مرة أخرى لتبرأ ذمتك منها بيقين، وذهب الحنابلة في المعتمد عندهم من الروايتين إلى أنها تجزئك ولو بان غنيا ما دمت حال دفعها له يغلب على ظنك استحقاقه، قال الموفق في الكافي: وإذا دفع رب المال الصدقة إلى غني يظنه فقيرا ففيه روايتان: إحداهما: لا يجزئه، لأنه دفعها إلى غير مستحقها فأشبه دفع الدين إلى غير صاحبه.
والثانية: يجزئه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالظاهر، لقوله للرجلين: إن شئتما أعطيتكما منها ولا حظ فيها لغني ـ وهذا يدل على أنه يجزئ، ولأن الغنى يخفى فاعتبار حقيقته يشق، ولهذا قال الله تعالى: يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.
انتهى.
وأما إن كنت لم تنو حال الدفع أنها من الزكاة أو كان يغلب على ظنك أنه غير أهل: فإن ذمتك لا تبرأ بذلك، قال البهوتي في الروض: إن أعطاها لمن ظنه غير أهل لأخذها فبان أهلاً لم تجزئه، لعدم جزمه بنية الزكاة حال دفعها لمن ظنه غير أهل لها.
انتهى.
والله أعلم.