الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فيقول ابن كثير -رحمه الله- في تفسير الآية الأولى: يخبر تعالى عمّا خاطب به إبليس أتباعه بعد ما قضى الله بين عباده، فأدخل المؤمنين الجنات، وأسكن الكافرين للدركات، فقام إبليس لعنه الله يومئذ خطيباً، ليزيدهم حزناً إلى حزنهم، وغبنا إلى غبنهم، وحسرة إلى حسرتهم، فقال: (إن الله وعدكم وعد الحق)، أي: على ألسنة رسله، ووعدكم في اتباعهم النجاة والسلامة، وكان وعداً حقاً وخبراً صدقاً.
وأما أنا فوعدتكم فأخلفتكم، كما قال الله تعالى: (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً)، ثم قال: (وما كان لي عليكم من سلطان) أي ما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه دليل، ولا حجة فيما وعدتكم به (إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) بمجرد ذلك، هذا وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاؤوكم به، فخالفتموهم، فصرتم إلى ما أنتم فيه، (فلا تلوموني اليوم ولوموا أنفسكم)، فإن الذنب لكم، لكونكم خالفتم الحجج واتبعتموني بمجرد ما دعوتكم إلى الباطل، (ما أنا بمصرخكم)، أي: بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه، (وما أنتم بمصرخي)، أي: بنافعي بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال، (إني كفرت بما أشركتموني من قبل).
قال قتادة: أي بسبب ما أشركتموه من قبل، وقال ابن جرير: يقول: إني جحدت أن أكون شريكاً لله -عزَّ وجلَّ-، وهذا الذي قاله هو الراجح، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) [الأحقاف:5-6]. وقال: (كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً) وقوله: (إن الظالمين) أي في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل (لهم عذاب أليم). انتهى.
والله أعلم.