الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الديمقراطية لها جانبان: جانب يقره الإسلام وهو إعطاء الأمة حق الاختيار في تولية حكامها ومحاسبتهم وفي الرقابة عليهم، وهذا حق معلوم وظاهر في نصوص الشرع من كتاب وسنة، فيشرع أن ينتخب لقيادة الأمة من عرفوا بالعلم والعدالة وجزالة الرأي عن طريق صناديق الاقتراع، فإذا اتفقوا أو أكثرهم على تقديم من هو أهل للقيادة فلا حرج في هذا .
وأما الجانب الذي يأباه الإسلام ويعتبره لوناً من ألوان الشرك بالله تعالى، فهو إعطاء الأمة -ممثلة في مجلس النواب أو البرلمان الذي قد يكون بعضه غير متصف بالعلم والعدالة وجزالة الرأي - الحق في التشريع المطلق، فهي تحل وتحرم وتبدل كيفما شاءت.
ومعلوم قطعاً أن التشريع المطلق -تحريماً وتحليلاً وتشريعاً- إنما هو حق خالص لله تعالى.
قال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ {يونس:59}
وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه {الشورى:21}
وقال الله تعالى: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً {الكهف:26}
وقال سبحان: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ {يوسف:40}
وقال سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. {المائدة:50}
والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً.
وقد أقر الإسلام مبدأ الشورى لأهل الحل والعقد فيما لا نص فيه، أو في تنزيل الحكم على الحادثة المعينة.
أما الديمقراطية فقد غلت في الأمر وأهملت الجانب الرباني ولم تجعل للوحي مرجعية وأعطت الحق للشعب في أن يلغي الثوابت، وما وردت به النصوص، وجعلت حكم الشعب فوق كل شيء.
والله أعلم.