الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهنيئا لك بالحرص على تحري الحلال في الكسب، ونفيدك أنه لا يجوز لك أن تقدم للكفار أو العصاة أي خدمة تعين على الحرام؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فكل وسيلة موصلة إلى محرم ومعصية تكون محرمة قطعاً، والله جل وعلا يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}
وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين في الكلام على تحريم وسائل المعاصي وسد الذرائع إلى المحرم: قال الإمام أحمد: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة. ولا ريب أن هذا سد لذريعة الإعانة على المعصية، ويلزم من لم يسد الذرائع أن يجوز هذا البيع كما صرحوا به، ومن المعلوم أن هذا البيع يتضمن الإعانة على الإثم والعدوان، وفي معنى هذا كل بيع أو إجارة أو معاوضة تعين على معصية الله كبيع السلاح للكفار والبغاة وقطاع الطرق، وبيع الرقيق لمن يفسق به أو يؤجره لذلك، أو إجارة داره أو حانوته لمن يقيم فيها سوق المعصية، ونحو ذلك مما هو إعانة على ما يبغضه الله ويسخطه، ومن هذا عصر العنب لمن يتخذه خمرًا، وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والمعتصر معًا ... انتهى.
والكفار مخاطبون بفروع الشريعة فلا يجوز للمسلم أن يبيع لهم أو يؤجر ما يستخدمونه في الحرام، فلا يجوز تمكينهم من وضع الصور العارية والموسيقى. وأما الأنظمة البرمجية فإن أمكنك مراقبتها وإيقاف ما استخدم منها في الحرام فلا حرج في معاملة الكفار فيها، وإلا فيحرم بيعها لمن غلب على الظن أنه سيستعملها استعمالا محرما.
وأما التعامل مع الشركات التجارية اليهودية فالأصل جوازها إن كانت لا تشتمل أعمالها على محظور شرعي كالمعاملات الربوية، وبيع أو صنع ما يحرم استعماله كالخمر والسلاح الذي يستخدم ضد المسلمين، ويدل لذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعملون بالأجرة مع اليهود ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيراً فقلت بأبي أنت، مالي أراك متغيراً، قال: ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث، قال: فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلا له فسقيت له على كل دلو بتمرة، فجمعت تمراً فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أين لك يا كعب فأخبرته.... الحديث. رواه الطبراني وحسنه الألباني.
وأما برمجتك لأجزاء غير محرمة فان كانت تستخدم بنفسها استخداما مباحا ولكنه يمكن تطويرها حتى تستخدم في الحرام فانه يجوز عملها وبيعها بشرط أن لا يغلب على ظنك أن مشتريها سيطورها ويستخدمها في الحرام.
وليعلم الأخ السائل أن ما عند الله من الرزق لا يطلب بمعصية، وما طلب ما عند الله تعالى بأفضل من طاعته والتزام أمره. قال تعالى: وَمَن يتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. {الطلاق:2-3}، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}.
وإن لم تتمكن من القيام بمشروع سليم من المحاذير الشرعية، فالواجب البعد عن المكاسب المحرمة، ولك أن تستثمر في مجال آخر لا شبهة فيه ولا يحصل به شيء من المحرمات، فالمكاسب المباحة كثيرة، ومن أحسنها البيع المبرور وعمل اليد، فقد سئُل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أفضل؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. رواه أحمد وصححه الألباني.
وفي الحديث: ما أكل أحد طعاماً خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري.
وفي الحديث: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه أحمد وحسنه الألباني.
وفي الحديث: ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه البزار وصححه الألباني.
وفي الحديث: أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقو الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم. رواه ابن ماجه.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 54828، 20169، 54504.
والله أعلم.