الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الأولى والأفضل أن يكون السلام هو التحية الأولى عند اللقاء والتوديع، وأن لا يكتفى بغيره عنه، وقد روى الطبراني وابن السني وأبو نعيم في الحلية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه. والحديث مختلف في سنده وحسنه الألباني.. ولما قال وهب بن عمير للنبي صلى الله عليه وسلم: أنعم صباحاً يا محمد، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أبدلنا الله خيراً منها. انتهى رواه الطبراني وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح. فالأولى أن يبدأ الإنسان عند التحية بالسلام، ولا بأس أن يتبعه بعد ذلك بلفظ آخر كقول (صباح الخير) ونحو ذلك ولو كان بلغة أخرى، وإن بدأ بغير تحية السلام واكتفى بذلك فنرجو أن لا يأثم، كما في الفتوى رقم: 19566.
واعلم أن الأولى بالمسلم أن يحافظ على الكلام بالعربية بقدر المستطاع إذا كان من يخاطبهم سيفهمون ذلك، وأما إن لم يكونوا يفهمون ذلك فلا حرج في خطابهم بلسان قومهم ليفهمهم مراده، وعلى المسلم أيضاً أن يحرص على تعلم العربية، فإن اللغة العربية أفضل اللغات على الإطلاق، فهي لغة القرآن، ولغة سيد النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ {الشعراء:194-195}، وتعلُّمها قال فيه الشافعي: يجب على كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما يبلغه جهده في أداء فرضه فيما ورد التعبد به في الصلاة من القراءة والأذكار، لأنه لا يجوز بغير العربية.
وقد قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم: إن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، ولهذا كان كثير من الفقهاء أو أكثرهم يكرهون في الأدعية التي في الصلاة والذكر أن يدعى الله أو يذكر بغير العربية، وقد اختلف الفقهاء في أذكار الصلاة هل تقال بغير العربية، وأما الخطاب بها من غير حاجة في أسماء الناس والشهود كالتواريخ ونحو ذلك فهو منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب، وأما مع العلم به فكلام أحمد بين في كراهته أيضاً فإنه كره آذرماه ونحوه ومعناه ليس محرماً. وأظنه سئل عن الدعاء في الصلاة بالفارسية فكرهه وقال لسان سوء، وهو أيضاً قد أخذ بحديث عمر رضي الله عنه الذي فيه النهي عن رطانتهم وعن شهود أعيادهم، وهذا قول مالك أيضاً فإنه قال: لا يحرم بالعجمية ولا يدعو بها ولا يحلف بها. وقال: نهى عمر عن رطانة الأعاجم، وقال: إنها خب. فقد استدل بنهي عمر عن الرطانة مطلقاً. وقال الشافعي فيما رواه السلفي بإسناد معروف إلى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجاراً ولم تزل العرب تسميهم التجار، ثم سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب، والسماسرة اسم من اسماء العجم فلا نحب أن يسمى رجل يعرف العربية تاجراً إلا تاجراً ولا ينطق بالعربية فيسمي شيئاً بالعجمية، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنه اللسان الأولى بأن يكون مرغوباً فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية، فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها وأن يتكلم بها خالطاً لها بالعجمية، وهذا الذي ذكره قاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين وقد قدمنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما ما ذكرناه.. إلى آخر كلامه النفيس.
والله أعلم.