الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسال الله لك الشفاء العاجل والعافية التامة، ثم اعلمي أيتها الأخت الكريمة أن علاج ما أنت فيه من الوساوس العظيمة التي أفسدت عليك عيشك وكدرت صفو عبادتك هو ما أرشدناك إليه من الإعراض عنها وعدم الالتفات إليها، وكونك لم تستطيعي أن تنفذي ما نصحناك به راجع لكونك لم تجاهدي نفسك مجاهدة حقيقية للتخلص من هذا الوسواس، وقد وعد الله تعالى من جاهد فيه بأنه يوفقه ويسدده، فقال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {69}.
فعليك بالصبر على تناول هذا الدواء وإن كان مر المذاق في المبتدأ ولكن عاقبته محمودة بإذن الله، وأما شعورك بأن الإعراض عن الوساوس يجعل صلاتك كأنها تمثيل في تمثيل على حد عبارتك وأن صلاتك لن يكون لها روح، وإنما تكون مجرد أفعال ظاهرية، فهذا أيضاً من إيهام الشيطان لك وتلبيسه عليك، فإن الصلاة الخالية من الوساوس هي التي أمر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومحال أن تجدي طعم الصلاة ولذتها مع هذه الوساوس ولا تجديها إذا تخلصت من هذه الوساوس، بل نحن نقول لك إنك لن تشعري للصلاة بطعم ولن تذوقي لها لذة إلا إذا أعرضت عن هذه الوساوس وأقبلت على صلاتك بقلب خاشع غير مكترث بشيء من تلك الأفكار والتخيلات الشيطانية، ولو فرضنا أن صلاتك ستكون مجرد أفعال ظاهرية فقط فإنها تقع صحيحة مجزئة عنك مسقطة للفرض.. وإذا مضيت في طريق العلاج فإنك ستحصلين الخشوع المطلوب شيئاً فشيئاً بقدر تعافيك من هذه الوساوس بإذن الله.
فعليك إذن إذا أقبلت على الصلاة أن تكبري للإحرام مرة واحدة وتبادري بها دون تردد أو توقف كبير لاستحضار النية فإن أمرها أيسر من هذا بكثير، ثم امضي في صلاتك تالية لما تجب تلاوته، فإذا فرغت من القراءة فاركعي ثم ارفعي وعلى هذا فامضي إلى أن تتم صلاتك في دقائق معدودات، ومهما عرض لك الشيطان في أثنائها أو أوهمك أنك حولت نيتك أو قلبتها نفلاً أو غير ذلك فلا تعبأي بشيء من ذلك واطرحيه وراء ظهرك ولا تفكري فيه بالمرة حتى ييأس الشيطان منك ويتم لك الشفاء بإذن الله، هذا هو علاجك إن كنت تريدين العلاج، وأما إن تركت مجاهدة نفسك ومضيت مسترسلة مع هذه الوساوس فلن يزول عنك هذا العناء، فعليك بالمبادرة بفعل ما نصحناك به والله المسؤول أن يمن عليك بالعافية التامة.
والله أعلم.