الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا أمر الوالدان ولدهما بأمرين متضادين لا يمكنه الجمع بينهما بوجه من الوجوه، فالراجح –والله أعلم- أن طاعة الأم تقدم على طاعة الأب ، لأن الأم مقدمة في البر على الأب.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ: أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ متفق عليه.
قال ابن حجر: قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر. قال وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع. فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها ثم تشارك الأب في التربية وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين. فسوى بينهما في الوصاية وخص الأم بالأمور الثلاثة. قال القرطبي المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة وقال عياض وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب.
وقال الطاهر بن عاشور عند تفسير قوله تعالى : وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا. [الإسراء : 23]: ومقتضى الآية التسوية بين الوالدين في البر وإرضاؤهما معاً في ذلك ، لأن موردها لفعل يصدر من الولد نحو والديه وذلك قابل للتسوية. ولم تتعرض لما عدا ذلك مما يختلف فيه الأبوان ويتشاحان في طلب فعل الولد إذا لم يمكن الجمع بين رغبتيهما بأن يأمره أحد الأبوين بضد ما يأمره به الآخر. ويظهر أن ذلك يجري على أحوال تعارض الأدلة بأن يسعى إلى العمل بطلبيهما إن استطاع .
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة : أن رجلاً سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مَن أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك . قال : ثم مَن ؟ قال : ثم أمُّك . قال : ثم مَن ؟ قال : ثم أمُّك . قال : ثمّ من ؟ قال : ثم أبوك ) .
وهو ظاهر في ترجيح جانب الأم لأن سؤال السائل دل على أنه يسأل عن حسن معاملته لأبويه . وللعلماء أقوال :
أحدها : ترجيح الأم على الأب وإلى هذا ذهب الليث بن سعد ، والمحاسبي ، وأبو حنيفة . وهو ظاهر قول مالك ، .......
الثاني : قول الشافعية أن الأبوين سواء في البر . وهذا القول يقتضي وجوب طلب الترجيح إذا أمرا ابنهما بأمرين متضادين . التحرير والتنوير.
ولا يخفى أن طاعة الوالدين لا تكون إلا في المعروف، وراجع حدود طاعة الوالدين في الفتوى رقم : 76303
والله أعلم.