الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالجمع بين الأختين في الزواج محرم بكتاب الله تعالى، حيث قال وهو يعدد المحرمات: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ {النساء: 23}، ومحرم بسنة رسول الله، ففي صحيح البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لما قالت له أم حبيبة: يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان فقال: "أو تحبين ذلك؟" فقالت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن ذلك لا يحل لي، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن.
والمقصود بعدم جمع الأختين: عدم جمعهما في عصمة رجل واحد، ولو كانت إحداهما في مشرق الأرض والأخرى في مغربها. وهذا مما أجمعت عليه الأمة.
قال الإمام القرطبي: وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مَنْعِ جَمْعِهِمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ مِنَ النِّكَاحِ. اهـ.
فإذا طلق الرجل زوجته، فيمكن له أن يتزوج بأختها بعد انتهاء عدتها إذا كان طلاقه طلاقاً رجعياً.
واختلفوا إذا طلقها طلاقاً لا يملك رجعتها فيه، كأن يكون آخر ثلاثة مثلاً، فقالت طائفة: ليس له أن ينكح أختها ولا رابعة حتى تنقضي عدة التي طلق، وروي عن علي وزيد بن ثابت، وهو مذهب مجاهد، وعطاء بن أبي رباح، والنخعي، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وأصحاب الرأي.
وقالت طائفة: له أن ينكح أختها ورابعة سواها، وروي عن عطاء، -وهذه الرواية أثبت الروايتين عنه - وروي عن زيد بن ثابت أيضاً، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن، والقاسم، وعروة بن الزبير، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد. قال ابن المنذر: ولا أحسبه إلا قول مالك، وبه نقول.
والله أعلم.