الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصواب الذي تدل عليه النصوص: هو أن السعي من الصفا إلى المروة يحسب شوطا، ومن المروة إلى الصفا يحسب شوطا آخر، ولا التفات إلى خلاف من خالف من أهل العلم في هذه المسألة، لمخالفته النصوص الصريحة، قال المحقق ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: غلط من قال إنه سعى أربع عشرة مرة وكان يحتسب بذهابه ورجوعه مرة واحدة، وهذا غلط عليه صلى الله عليه وسلم لم ينقله عنه أحد ولا قاله أحد من الأئمة الذين اشتهرت أقوالهم وإن ذهب إليه بعض المتأخرين من المنتسبين إلى الأئمة، ومما يبين بطلان هذا القول أنه صلى الله عليه و سلم لا خلاف عنه أنه ختم سعيه بالمروة، ولو كان الذهاب والرجوع مرة واحدة لكان ختمه إنما يقع على الصفا. انتهى.
وقال النووي في شرح المهذب: الواجب الثالث -أي من واجبات السعي- إكمال سبع مرات يحسب الذهاب من الصفا إلى المروة مرة، والرجوع من المروة إلى الصفا مرة ثانية، والعود إلى المروة ثالثة، والعود إلى الصفا رابعة، وإلى المروة خامسة، وإلى الصفا سادسة، ومنه إلى المروة سابعة، فيبدأ بالصفا ويختم بالمروة، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي وقطع به جماهير الأصحاب المتقدمين والمتأخرين وجماهير العلماء، وعليه عمل الناس وبه تظاهرت الاحاديث الصحيحة.
وقال جماعة من أصحابنا: يحسب الذهاب من الصفا إلى المروة والعود منها إلى الصفا مرة واحدة فتكون المرة من الصفا إلى الصفا كما أن الطواف تكون المرة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، وكما أن في مسح الرأس يحسب الذهاب من مقدمه إلى مؤخره والرجوع مرة واحدة، وممن قال هذا من أصحابنا أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي وأبو علي بن خيران وأبو سعيد الاصطخري وأبو حفص بن الوكيل وأبو بكر الصيرفي وقال به أيضا محمد بن جرير الطبري، وهذا غلط ظاهر، ودليلنا الأحاديث الصحيحة منها: حديث جابر في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: سعى سبعا بدأ بالصفا وفرغ على المروة.
والفرق بينه وبين الطواف الذي قاسوا عليه أن الطواف لا يحصل فيه قطع المسافة كلها إلا بالمرور من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، وأما هنا فيحصل قطع المسافة كلها بالمرور إلى المروة وإذا رجع إلى الصفا حصل قطعها مرة أخرى فحسب ذلك مرتين. انتهى.
والله أعلم.