الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإفشاء السر خيانة للأمانة، ومجرد إفشاء السر قد حرمه بعض أهل العلم مطلقا؛ لما روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدث الرجل بالحديث والتفت فهي أمانة.
وقال الحسن البصري: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك.
وقيد آخرون الحرمة بما إذا كان في ذلك ضرر.
قال الغزالي في الإحياء: وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار. انتهى.
وقال الماوردي فى أدب الدنيا: إظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهار سر نفسه، لأنه يبوء بإحدى وصمتين الخيانة إن كان مؤتمنا، والنميمة إن كان مستخبرا، فأما الضرر فيما استويا فيه أو تفاضلا فكلاهما مذموم وهو فيهما ملوم. انتهى.
وقال صاحب الإنصاف: قال في أسباب الهداية: يحرم إفشاء السر. وقال في الرعاية: يحرم إفشاء السر المضر. انتهى.
فإذا كان يترتب عليه ضرر؛ كالتفريق بين الناس، وايقاع العداوة بينهم، فهو أشد تحريما، وكذا يشتد التحريم إن كان فيه كذب.
وأما عقاب النميمة فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعضا منه، فقال عندما مر على قبرين: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن خيار عباد الله من هذه الأمة الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى، وإن شرار عباد الله من هذه الأمة المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت. رواه أحمد وابن حبان والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قتات. متفق عليه، والقتات هو النمام.
وضابط النميمة المحرمة هو ماجاء في فتح الباري: وقال الغزالي ما ملخصه: النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه، ولا اختصاص لها بذلك بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولا أم فعلا، وسواء كان عيبا أم لا، حتى لو رأى شخصا يخفي ماله فأفشى كان نميمة. انتهى.
وليس لصاحب النميمة عقاب محدد في الدنيا، وإنما لولاة أمور المسلمين أن يعزروا أصحاب المعاصي باجتهادهم.
والله أعلم.