الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يخفى ما في هذا المقال من السخرية والاستهزاء بتعاليم الإسلام، وقد سبق أن بينا أن السخرية والاستهزاء بالإسلام أو بحكم من أحكامه يعتبر كفرا مخرجا لصاحبه من الملة، انظر الفتويين التالية أرقامهما: 48790، 26193.
وأما قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: إن القرآن حمال أوجه. فليس على إطلاقه، فالقرآن منه المحكم الواضح الذي لا يحتمل غير وجه واحد، ومنه المجمل الذي لا يقطع بالمقصود منه لاحتماله أو تردده بين معنيين أو أكثر، فيحمل على بعضها أو كلها عند رده إلى المحكم أو عند بيان النبي صلى الله عليه وسلم له، الذي أنزل عليه ليبينه للناس.
قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ {آل عمران: 7}.
وقال صاحب المراقي:
وذو وضوح محكم والمجمل هو الذي المراد منه يجهل
وهذا الاحتمال مقصود لحكم أرادها الله تعالى، وبينها الأصوليون في محلها.
وإقرار صاحب المقال بروعة هذا الكون ودقة نظامه وأنه لابد أن يخضع في النهاية لمقياس العدل... كلام حق أريد به باطل، فالمسلم يعتقد أن الله تعالى هو الحكم العدل الخالق لهذا الكون، وإنما أرسل رسله وأنزل عليهم الكتب لإقامة العدل كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ {الحديد: 25}
والقسط هو العدل الذي به قامت السماوات والأرض وانتظم هذا الكون بنظامه الدقيق، ومن العدل الذي لا يمتري فيه عاقل أن يجزى كل عامل بما عمل، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ولا خير أعظم من طاعة الخالق واتباع رسله، ولا شر أشنع من التمرد على الخالق وتكذيب رسله، ومع ذلك فإن العقل يحكم بأن للخالق الحق أن يرحم من يشاء من خلقه ويعذب من يشاء منهم بغض النظر عن عملهم لأنه الذي أوجدهم من عدم، وتصرف المالك في ملكه يسمى عدلا لا جورا.
ومع ذلك فإن الله تعالى العدل الحكم حرم الظلم على نفسه تفضلا منه وكرما كما حرمه بين عباده.
ثم إنه من المعلوم عند المسلم أن من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، فلا اعتبار في الإسلام لأسرة أو قبيلة أو جنس.. وإنما العبرة في السير على منهج الله تعالى واتباع هدي الأنبياء ووحي السماء، والناس كلهم لآدم ولا كرامة لأحد على أحد إلا بالتقوى. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات: 13}.
ومن عظيم رحمة الله بعباده أنه لن يعذب أحدا أو يحاسبه إلا بعد أن يصل إليه أمره وبلاغه فيتمرد عليه ويرفضه، ومن لم تبلغه الدعوة فإن الله تعالى لن يعذبه. كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء: 15} والآيات في هذا المعنى كثيرة وهي حاكمة بأن الله لا يدخل أحدا النار إلا بعد بلوغ الدعوة إليه.
وللمزيد انظر الفتويين التالية أرقامهما: 3191، 121195.
والله أعلم.