الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل في المال الحرام أنه لا يملك ولو بالإرث وإنما يتخلص منه ويصرف في مصالح المسلمين، ويدفع إلى الفقراء والمساكين ولو جهل قدره فيحتاط له ليطيب الباقي لصاحبه.
قال ابن تيمية في الفتاوى: المال المأخوذ بوجه محرم إذا خلط بمال حلال فالواجب أن يخرج من ذلك القدر المحرم وقدر ماله حلال له.
قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (3/ 366): "قَالَ عُلَمَاؤُنَا إِنَّ سَبِيلَ التَّوْبَةِ مِمَّا بِيَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ الْحَرَامِ إِنْ كَانَتْ مِنْ رِبًا فليردها على من أربى عليه، ومطلبه إِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِهِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِذَلِكَ عَنْهُ. وَإِنْ أَخَذَهُ بِظُلْمٍ فَلْيَفْعَلْ كَذَلِكَ فِي أَمْرِ مَنْ ظَلَمَهُ. فَإِنِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلَمْ يَدْرِ كَمِ الْحَرَامُ مِنَ الْحَلَالِ مِمَّا بِيَدِهِ، فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى قَدْرَ مَا بِيَدِهِ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ، حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّ مَا يَبْقَى قَدْ خَلَصَ لَهُ فَيَرُدُّهُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَزَالَ عَنْ يَدِهِ إِلَى مَنْ عُرِفَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ أَوْ أَرْبَى عَلَيْهِ. فَإِنْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِهِ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ." انتهى
وقال النووي في المجموع: من ورث مالاً ولم يعلم من أين كسبه مورثه أمن حلال أم من حرام؟ ولم تكن علامة فهو حلال بإجماع العلماء، فإن علم أن فيه حراماً وشك في قدره أخرج قدر الحرام بالاجتهاد… انتهى.
كما أنه ليس لآخذ المال الحرام أوالآيل إليه بالإرث ونحوه أن يصرفه على نفسه أو من تلزمه نفقته إلا إذا كان فقيرا محتاجا إليه.
قال النووي نقلا عن الغزالي: وله أن يتصدق به أي بالمال الحرام على نفسه وعياله إذا كان فقيرا، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيه، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله أن يأخذ قدر حاجته، لأنه أيضا فقير. انتهى.
وعليه فعلى والدة السائلة أن تتحقق من قدر الفوائد الربوية التي ترتبت على المبلغ المذكور وتخرج مثلها في وجوه البر ومنافع المسلمين، وعند عدم العلم تحتاط كما تقدم بيانه.
وأما السكن في البيت والانتفاع به فلا حرج عليها فيه.
وأما ما أعطته أمك لخالك، وما حصل بعد ذلك من سداده للدين وهبتك أمك لبعض ذلك المال فلا تلتفتي إليه.
وما أخذه خالك حلال، وما آل إليك المال حلال ، فالتحريم يتعلق بالذمة لا بعين المال ، ولأن تغير الملك كتغير الذات.
والله أعلم.