الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خمس روايات في إعفاء اللحية: أعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا. ومعناها كلها: تركها على حالها. وراجع في تخريجها الفتوى رقم: 71215.
وأما عن الشعر الواقع أمام الأذن فقد ذهب جمع من المحققين المعاصرين إلى أنه ملحق باللحية اعتباراً بدلالة اللغة وبهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي فتاوى اللجنة الدائمة: لا يجوز حلق العارضين لأنهما من اللحية... انتهى.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم جواباً لمن سأله هل العارضان من اللحية؟ : العارضان من اللحية، يدل على ذلك ما رواه أحمد في المسند عن يزيد الفارسي في رؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء في آخرها: قد ملأت لحيته ما بين هذه إلى هذه، قد ملأت نحره، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا. انتهى.
قال المناوي: وروى البخاري في صحيحه في باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قلنا لخباب: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلنا: بم كنتم تعرفون ذلك، قال: باضطراب لحيته. وجه الدلالة أن المأموم إذا رفع بصره إلى الإمام في الصلاة فإنما يرى منه عارضيه فقط، وأما ما على الذقن فمستور عنه بالعنق، وما تركهما صلى الله عليه وسلم إلا لأنهما منها، وقد جاء في لسان العرب وغيره أنهما داخلان في مسماها. انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين هل العارضان من اللحية؟ فأجاب بقوله: نعم العارضان من اللحية لأن هذا هو مقتضى اللغة التي جاء بها الشرع، قال الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ. وبهذا علم أن ما جاء في القرآن والسنة فالمراد به ما يدل عليه بمقتضى اللغة العربية، إلا أن يكون له مدلول شرعي فيحمل عليه مثل: الصلاة هي في اللغة العربية الدعاء، لكنها في الشرع تلك العبادة المعلومة، فإذا ذكرت في الكتاب والسنة حملت على مدلولها الشرعي إلا أن يمنع من ذلك مانع. وعلى هذا فإن اللحية لم يجعل لها الشرع مدلولاً شرعياً خاصاً فتحمل على مدلولها اللغوي، وهي في اللغة اسم للشعر النابت على اللحيين والخدين من العظم الناتئ حذاء صماخ الأذن إلى العظم المحاذي له من الجانب الآخر، قال في القاموس: اللحية بالكسر: شعر الخدين والذقن. وهكذا قال في فتح الباري: هي اسم لما نبت على الخدين والذقن. وبهذا تبين أن العارضين من اللحية. انتهى.
ورأى بعض العلماء التخفيف في شأن العارضين فقد روي الترخيص في الأخذ منهما عن الإمام أحمد وبعض المالكية، قال الشبيهي في الفجر الساطع على الصحيح الجامع باب إعفاء اللحى: جمع لحية وهي الشعر النابت على العارضين والذقن، أي مطلوبية تركها على حالها من غير حلق ولا قص... وقال أبو عبد الله الأبي: إن الله تعالى زين بني آدم باللحى، وإذا كانت زينة فالأحسن تحسينها بالأخذ منها طولاً وعرضاً، وتحديد ذلك بما زاد على القبضة كما كان ابن عمر يفعل، وهذا فيمن تزيد لحيته فيأخذ من طولها وعرضها ما فيه تحسين، فإن الله تعالى جميل يحب الجمال، وأما الشعر النابت على الخد فكان الشيخ الفقيه الصالح أبو الحسن المنتصر لا يزيله، وكان غيره ممن هو في طبقته يزيله، واختاره الشيخ. انتهى.
وروى الطبري عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: ثم ليقضوا تفثهم.. التفث: حلق الرأس، وأخذ من الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والموقف بعرفة والمزدلفة. انتهى. وهذا الأثر صححه الألباني.
والله أعلم.