الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقتادة من التابعين، ولم يتتلمذ على ابن عباس ولم يرو عنه مباشرة؛ وما رواه عن ابن عباس إنما رواه عنه مرسلا (أي روى عن أحد تلاميذ ابن عباس عن ابن عباس ثم أسقط الواسطة بينه وبين ابن عباس) ولذا فهو من تلاميذ تلاميذه، حيث توفي ابن عباس رضي الله عنه سنة سبع أو ثمان وستين، بينما ولد قتادة سنة ستين؛ أي كان عمره ثمان سنوات فقط عندما توفي ابن عباس رضي الله عنهما، وأغلب الظن أنه لم يلتق به؛ لأن قتادة بصري وابن عباس عاش آخر آيامه في الحجاز، بل جزم الطبري في تفسيره بأن قتادة لم يلق ابن عباس ولم يسمع عنه.
واسمه: قتادة بن دعامة بن عكابة، وهو حافظ عصره، قدوة المفسرين والمحدثين، كنيته أبو الخطاب السدوسي البصري الضرير الأكمه. روى أحاديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهو ممن عمروا من الصحابة، وروى أيضا عن سعيد بن المسيب وهو من التابعين، وروى عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنه. كان رحمه الله من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ.
ورغم سعة علمه واطلاعه إلا أنه كان ممن انحرف في باب القدر من العقيدة، قال الإمام الذهبي رحمه الله عنه في سير أعلام النبلاء: وكان يرى القدر - نسأل الله العفو - ومع هذا، فما توقف أحد في صدقه، وعدالته، وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عما يفعل.
ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه.
نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك، توفي قتادة رحمه الله سنة ثماني عشرة ومائة للهجرة.
والله أعلم.