الإعراض عن الوساوس وهل المسلم ممنوع من السؤال عما أشكل عليه

3-11-2010 | إسلام ويب

السؤال:
منذ فترة عندي وسواس قهري في الطهارة و الصلاة و العقيدة كما كان يشتكي الصحابة، ولكن سؤالي أنه بسبب الوسواس أعدت صلاة الظهر فسألت نفسي في نفسي لم كل هذا(10 سنوات وسواس) ثم ما لبثت أن قلت هل أنا علي صواب؟ فأخذت أقول يجب أن أفكر فقلت لنفسي لا بد لهذا الكون من إله هل مفهومه في الإنجيل صحيح؟ قلت لا عندهم تثليث وهذا غير منطقي، طيب اليهود عندهم قلة أدب مع الله إذن مفهوم الإسلام هو الصحيح، إذن نبينا هو المختار لأن إلهنا قوي حكيم يفعل ما يشاء، فأخذت أقول لقد كفرت وبعد شهر استسلمت للوسواس فتشهدت واغتسلت، وفي مرة أخرى ناقشت شيخ صديقا فتكلم معي وعرض علي إمكانية اختلاف الآراء الفقهية فقلت له هذا تضاد غريب، قال هذه سعة فقلت ما معناه إنه لا ينفع فأحسست وكأن داخلي شعور بالاعتراض -أستغفر الله- على كيف يصدر أكثر من حديث مختلف من النبي اللهم صلي عليه وسلم فيسبب عدم معرفة الصحيح من الخطأ، فقلت لقد كفرت فاستغفرت وتشهدت. فهل هذا كفر وماذا علي أن أفعل، مع العلم أني ظننت ذلك مرتين واغتسلت من أجل الإسلام. فما الحكم؟ وهل سؤالي هذا حرام لأني أعلم أن الإنسان معافى ما لم يتكلم أو يعمل؟ وهل الإسلام يمنع حرية التفكير أو حرية السؤال عن أي شيء مثل هذا النقاش؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان السائل الكريم يصف شكواه من الوسوسة بأنها كالتي اشتكى منها الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعا، فقد بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم سبيل العلاج، وذلك في قوله صلى الله عليه وسل: فليستعذ بالله ولينته. رواه البخاري ومسلم.

 فليس هناك أنجع ولا أنفع لعلاج داء الوسوسة من عدم الالتفات إليها والإعراض عنها بالكلية، فيجب على السائل الأخذ بهذه النصيحة النبوية، والاجتهاد في الالتزام بمقتضاها، فإن في تعديها شرا مستطيرا وفتنة كبيرة وبلاء عظيما. وقد سبق أن بينا ذلك مرارا، فراجع في ذلك للأهمية الفتويين: 136381، 135420. وراجع في ما يتعلق باغتسالك من أجل العودة للإسلام الفتوى رقم: 133016.

وأما بخصوص سؤال المسلم عما يشكل عليه فهذا أمر مطلوب قطعا، فقد قال الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل: 43}

 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال. رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.

والعِيّ هو الجهل.

 وقال ابن عبد البر في (التمهيد): يلزم كل مؤمن ومؤمنة إذا جهل شيئا من أمر دينه أن يسأل عنه. اهـ.

ولكن الممنوع أن يسأل المرء ثم إذا أتته الإجابة لا يعبأ بها ويستمر على حاله، ومثال ذلك أن يتعرض الإنسان لشيء من الوسوسة فيَسأل عن ذلك، فيُجاب بضرورة الإعراض عنها، ثم يستمر بعد ذلك يسأل ويتعمق ولا يرفق بنفسه.

ومن الممنوع كذلك أن يجاب المرء على سؤاله بصريح النصوص الشرعية قرآنا أو سنة، ثم يرفض ذلك بدعوى إعمال العقل وعدم الاقتناع، فيرد لأجل ذلك دلالات الوحي المعصوم ويتمسك برأيه المجرد. وهذا من أبواب الفتن المهلكة، كما قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  {النور: 63}

هذا، ولابد من التنبه إلى أن النصوص الشرعية التي هي حق محض محفوظ معصوم، قد يخطئ العالم في فهمها، ومعلوم أن الأفهام ليست معصومة، فمناقشتها أمر محتمل، فهذا مغاير تماما لرفض النصوص نفسها.

وأما مسألة كون الخلاف سعة ورحمة، فهذا صحيح متى ما كان واقعا في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد بسبب اختلاف الأفهام، دون مصادمة لنص ولا مخالفة لإجماع سابق، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 40173. بخلاف ما كان حاصلا بسبب مصادمة الأدلة الشرعية، والاعتماد على الهوى والرأي المجرد، أو الأدلة الضعيفة البعيدة المأخذ. وقد سبق لنا التنبيه على ذلك في الفتوى رقم: 137905، وفيها تجد الإحالات لبيان أسباب اختلاف العلماء وما وراء ذلك من الحكم.

والله أعلم.

www.islamweb.net