الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق التعريف بأم المؤمنين عائشة وذكر فضلها في الفتاوى التالية أرقامها: 43062, 41182، 21694 74675.
واعلم أن المقارنة والمفاضلة بين الأنبياء، أو بين الصديقين والصالحين لا يترتب عليها عمل, فالأولى بالمكلف أن يعرض عن هذا ويشتغل بما فيه مصالح دينه ودنياه.
أما عن نبي الله يوسف عليه السلام: فهو نبي رسول وهو أفضل من غيره من غير الأنبياء ـ قطعا ـ سواء مريم أو عائشة، أو غيرهما.
وأما بالنسبة لمريم وعائشة: فإن مريم أفضل من عائشة، جاء في فتوى اللجنة الدائمة: والخلاصة: أن مريم عليها السلام هي أفضل النساء مطلقا، والآية على عمومها إلا في حق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيهما احتمالان: إما أن تكون مريم أفضل، وإما أن تكونا على السواء.
انتهى.
وأما ما أشار إليه السائل من أن الله تعالى برأ عائشة من فوق سبع سموات وأن معنى هذا إشارة إلى أنها أفضل فنقول إن هذا ليس بلازم، فلا يلزم من التفضيل بينهم في بيان البراءة التفضيل المطلق، مع التنبيه على أن الراجح من كلام أهل العلم أن مريم صديقة وليست نبية وإن كان قد خالف في ذلك بعض أهل العلم، قال الألوسي ـ رحمه الله تعالى ـ عند تفسيره لقول الله جل وعلا: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ: واستدل بهذه الآية من ذهب إلى نبوة مريم، لأن تكليم الملائكة يقتضيها، ومنعه اللقاني بأن الملائكة قد كلموا من ليس بنبي إجماعاً، فقد روي أنهم كلموا رجلاً خرج لزيارة أخ له في الله تعالى وأخبروه أن الله سبحانه يحبه كحبه لأخيه فيه ولم يقل أحد بنبوته، وادعى أن من توهم أن النبوة مجرد الوحي ومكالمة الملك فقد حاد عن الصواب, ومن الناس من استدل على عدم استنباء النساء بالإجماع وبقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً.{الأنبياء: 7}.
ولا يخفى ما فيه، أما أولاً: فلأن حكاية الإجماع في غاية الغرابة، فإن الخلاف في نبوة نسوة ـ كحواء وآسية وأم موسى وسارة وهاجر ومريم موجود ـ خصوصاً مريم، فإن القول بنبوتها شهير، بل مال الشيخ تقي الدين السبكي في الحلبيات، وابن السيد إلى ترجيحه.انتهى.
وقال ابن كثير ـ رحمه الله: الذي عليه أئمة أهل السنة والجماعة، وهو الذي نقله الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عنهم: أنه ليس في النساء نبية، وإنما فيهن صديقات، كما قال تعالى مخبرا عن أشرفهن مريمَ بنت عمران، حيث قال: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ.{ المائدة: 75 }.فوصفها في أشرف مقاماتها بالصدّيقية، فلو كانت نبيّة لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام، فهي صديقة بنص القرآن. انتهى.