الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن السائل لم يبين ما إذا كان الحالف حلف ليبرئ مظلوماً، أو ظالماً، ولكننا ننبه إلى أن الكذب المجرد عن اليمين حرام لا يجوز اللجوء إليه إلا في حالة الضرورة، ويكون التحريم أغلظ وعقوبته أشد إذا تعمد الشخص الحلف على الكذب، فهذا هو اليمين الغموس، وقد جاء مقروناً في الحديث الشريف مع أكبر الكبائر وأعظم المعاصي ـ وهي الشرك بالله وقتل النفس ـ فقد روى البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس.
ويشتد الأمر إذا قصد به تبرئة صاحب جريمة، ويجب على الحالف كذباً أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله عز وجل مما وقع فيه من الحلف على الكذب، وليس في هذا النوع من اليمين كفارة عند جمهور أهل العلم، بل الواجب فيه التوبة، وذهب بعضهم إلى وجوب الكفارة فيه ـ وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ـ ولا شك أن شهادة الزور محرمة، وقد ورد التحذير منها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ـ وكان متكئاً فجلس ـ فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. والحديث متفق عليه.
فإذا كان ابن الخالة قام بالتزوير فعلاً، فلا يجوز السعي في تبرئته ولا الحلف على براءته، وأما إذا كان نسب إليه الأمر وهو بريء منه بالفعل، فإن أهل العلم قد استثنوا من الكذب المحرم ما إذا كان من أجل مقصود محمود من تحصيل مصلحة راجحة، أو دفع مفسدة، أو مضرة عن مسلم لا يمكن دفعها إلا به، وتعين وسيلة لدفعها، وراجع الفتوى رقم: 57174.
ولكن الأفضل للمرء أن يستعمل التورية، فقد صح عن عمر وعمران بن حصين أنهما قالا: في المعاريض مندوحة عن الكذب.
رواه البخاري في الأدب، وصححه الألباني.
قال عليش المالكي في شرح المختصر: قال ابن ناجي: يجب الكذب لإنقاذ مسلم، أو ماله.
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: فإن المعاريض عند الحاجة والتأويل في الكلام، وفي الحلف للمظلوم بأن ينوي بكلامه ما يحتمله اللفظ، وهو خلاف الظاهر، كما فعل الخليل صلى الله عليه وسلم، وكما فعل الصحابي الذي حلف أنه أخوه وعنى أنه أخوه في الدين، وكما قال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم للكافر الذي سأله ممن أنت؟ فقال: نحن من ماء ـ إلى غير ذلك أمر جائز، ولم يزل السلف يتحرون التباعد عن الكذب بالتعريض، فكان بعضهم إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار قال للجارية، قولي له: اطلبه في المسجد ولا تقولي له ليس ههنا كيلا يكون كذباً، وكان بعضهم يخط دائرة ويقول للجارية ضعي الأصبع فيها وقولي ليس ههنا، ونحو ذلك، من المعاريض. انتهى.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى التالية أرقامها: 102539، 106688، 132010، 135243، 29954، 47558، 4512.
والله أعلم.