الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمما لا شك فيه أن أهل الجنة لهم فيها ما يشاءون ولا يمكن أن يحرموا فيها مما يشتهون، فالجدير بالمرء أن يتوجه باهتمامه كله إلى تحقيق سبب دخولها ولا ينشغل بما بعد ذلك، فإنه إذا دخلها سوف يجد فيها كل ما يسره وراجع في ذلك الفتويين رقم: 138313، ورقم: 122473.
ومع هذا، فينبغي التنبه إلى أن أماني أهل الجنة ورغباتهم بعد دخولها تختلف اختلافا كبيرا عن أماني أهل الدنيا ورغباتهم، فإنهم لا يدخلونها إلا بعد أن ينقوا ويهذبوا ويصيروا طيبين في طباعهم وأخلاقهم وفي كل شيء، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 125317.
وعلى ذلك، فكل ما تأباه الفطر السوية مما يقبح ويفحش فأهل الجنة منزهون عنه، ومن ذلك أن يرغب الرجل في الحمل والولادة، وأن يرغب الشخص في تحويل جنسه من ذكر إلى أنثى، أو العكس.
وختاما ننبه على أن الكتاب المذكور في السؤال الذي يحمل عنوان: الجنة حين أتمنى ـ ليس فيه وصف للجنة بناء على نصوص الوحي المعصوم من الكتاب والسنة، وإنما حاله كما قال مؤلفه في هذه الصفحات: لن يجد القارئ وعظا، أو إرشادا، أو نصائح، أو إحداثيات فلست أهلا لذلك، في هذه الصفحات لن يجد القارئ ادعاء لكشف الحجب، أو التماهي بالغيب، أو تأليا على الله، هذه الصفحات ليست وصفا لجنة الخلد على الإطلاق، هذه الصفحات ليست حتى تصورا لها إنها باختصار مجرد أمنية ـ حلم ـ إنها دعاء مسافر دون ملل، سيجد القارئ إبحارا طويلا سابحا في الأماني والأحلام. اهـ.
وأما كلام ابن القيم في حادي الأرواح: فلا يتعلق بكون الرجل هو الذي يحمل ويلد، وإنما تعرض ـ رحمه الله ـ لمسألة هل يولد لأهل الجنة؟ ولا يعني بذلك أن الرجل هو الذي يلد، وإنما يولد له وهذا محل خلاف بين أهل العلم ذكره ابن القيم في الباب السادس والخمسين: ذكر اختلاف الناس هل في الجنة حمل وولادة أم لا؟ ومن ألفاظ الحديث التي ساقها بإسناد أبي نعيم أن الرجل من أهل الجنة ليولد له كما يشتهي فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعة واحدة.
وهذا قد رواه الترمذي بلفظ: المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي. ثم قال: وقد اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: في الجنة جماع ولا يكون ولد ـ هكذا روي عن طاووس ومجاهد وإبراهيم النخعي.
وقال محمد ـ يعني البخاري: قال إسحاق بن إبراهيم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة واحدة كما يشتهي، ولكن لا يشتهي ـ قال محمد: وقد روي عن أبي رزين العقيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد. اهـ.
والله أعلم.