الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لك القصر في الفيوم التي هي بلدك الأصلي الذي تقيم فيه، لأن القصر لا يكون في دار الإقامة، وأما البلد الذي تسافر إليه فيجوز لك القصر فيه ما لم تنو إقامة أربعة أيام سوى يوم الدخول ويوم الخروج عند الشافعية والمالكية، فإذا كنت تدخل هذه البلدة يوم الأحد وتخرج يوم الخميس فلك القصر والترخص بسائر رخص السفر إذن.
قال الشيرازي في المهذب: إذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج صار مقيما وانقطعت رخص السفر لأن بالثلاث لا يصير مقيما " لأن المهاجرين رضي الله عنهم حرم عليهم الاقامة بمكة ثم رخص لهم النبي صلي الله عليه وسلم أن يقيموا ثلاثة أيام فقال صلي الله عليه وسلم يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا، وأجلى عمر رضي الله عنه اليهود ثم أذن لمن قدم منهم تاجرا أن يقيم ثلاثا " وأما اليوم الذى يدخل فيه ويخرج فلا يحتسب لأنه مسافر فيه وإقامته في بعضه لا تمنع من كونه مسافرا لأنه ما من مسافر إلا ويقيم بعض اليوم. انتهى.
وفي المسألة قول آخر وهو أن يوم الدخول والخروج يحسب من جملة الأربعة الأيام، وعليه فلا يجوز لك القصر في الحال المذكورة، والقول الأول هو مذهب المالكية الأصح عند الشافعية.
قال النووي: قال الشافعي والأصحاب: إن نوى إقامة أربعة أيام صار مقيما وانقطعت الرخص، وهذا يقتضى أن نية دون أربعة لا تقطع السفر. وإن زاد على ثلاثة وقد صرح به كثيرون من أصحابنا. وفى كيفية احتساب الاربعة وجهان حكاهما البغوي وآخرون. أحدهما) يحسب منها يوما الدخول والخروج كما يحسب يوم الحدث ويوم نزع الخف من مدة المسح (وأصحهما) وبه قطع المصنف والجمهور لا يحسبان لما ذكره المصنف فعلي الاول لو دخل يوم السبت وقت الزوال بنية الخروج يوم الاربعاء وقت الزوال صار مقيما وعلى الثاني لا يصير وإن دخل ضحوة السبت بنية الخروج عشية الاربعاء. انتهى.
وعند الحنفية أن المدة المبيحة للترخص برخص السفر هي خمسة عشر يوما، فجواز القصر لك على مذهبهم واضح، وأما مذهب أحمد رحمه الله فعنه روايتان، إحداهما اعتبار أربعة أيام يحسب منها يوم الدخول ويوم الخروج على الصحيح والثانية وهي الأشهر اعتبار إحدى وعشرين صلاة فمن نوى إقامة مدة تزيد عليها أتم وإلا قصر، وقيل عشرين صلاة.
وقد لخص ابن قدامة مذاهب العلماء في هذه المسألة فقال رحمه الله: المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة. رواه الأثرم و المروذي وغيرهما، وعنه أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وإن نوى دونها قصر وهذا قول مالك والشافعي و أبي ثور لأن الثلاث حد القلة بدليل قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ يقيم المهاجر بعد قضاء منسكه ثلاثا ] ولما أجلى عمر رضي الله عنه أهل الذمة ضرب لمن قدم منهم تاجرا ثلاثا فدل على أن الثلاث في حكم السفر وما زاد في حكم الإقامة، ويروى هذا القول عن عثمان رضي الله عنه وقال الثوري وأصحاب الرأي: إن أقام خمسة عشر يوما مع اليوم الذي يخرج فيه أتم وإن نوى دون ذلك قصر... انتهى.
والحاصل أن لك الترخص برخص السفر في الصورة المذكورة في قول كثير من العلماء أو أكثرهم.
والله أعلم.