الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا مانع شرعا من أن يهب الوالد لابنته, ولكن لا تنفذ هذه الهبة إلا بقبضها من الموهوبة لها وحيازتها إياها, فإن كانت الهبة عبارة عن دار للسكنى -كما هو في حال السائل- فلا بد من تخليتها من متاع غير الموهوبة لها, بل قد اشترط المالكية عدم سكنى الواهب فيها بعد الهبة, على خلاف بين أهل العلم في ذلك. جاء في الموسوعة الفقهية: الملكية للدار الموهوبة تثبت بالقبض بإذن الواهب عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة. وتثبت الملكية عند المالكية بمجرد العقد, غير أنهم يشترطون لتمام العقد الحيازة للدار الموهوبة. وعلى ذلك فإذا وهب شخص آخر دارا فإن الموهوب له تثبت له ملكية الدار وتصبح نافذة عند جميع الفقهاء بحيازة هذه الدار, وهذا إذا كان الموهوب له بالغا رشيدا. فإذا كان محجورا عليه فيقوم وليه مقامه نيابة عنه إذا لم يكن هو الواهب, فإن كان الولي هو الواهب فإن المالكية يقولون: تخلي الدار الموهوبة للموهوب له ولا يسكنها الولي, فإن سكنها بطلت الهبة.
وقال الحنفية: إن الأب لو وهب ابنه الصغير الدار التي يسكنها, وكانت مشغولة بمتاعه أي الواهب فإن هذا جائز له, ولا يمنع ذلك صحة الهبة. لكن لو أسكنها الأب لغيره بأجر فإن هذا لا يجوز . ولو أسكنها لغيره بدون أجر جاز ذلك عندهم ...
وذهب الشافعية إلى أنه لا بد من خلو الدار الموهوبة من أمتعة غير الموهوب له, فإن كانت مشغولة بها واستمرت فيها فإن الهبة لا تصح. ولا فرق عندهم بين الهبة للأجنبي أو لولده الصغير, ويقولون بجواز أن يسكن الأب في دار سكناه الموهوبة لولده المشمول بولايته, وعليه الأجرة بعد تمام الهبة. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى رقم : 61985.
وهنا ننبه السائل على أنه لو كان يريد تعليق نفاذ هذه الهبة على موته, فإنها في الحقيقة لا تكون هبة بل وصية, والوصية لا تجوز لوارث, ولا بما زاد على ثلث التركة, إلا إذا أجازها بقية الورثة وكانوا رشداء بالغين.
ثم لابد من التنبيه على أمرين:
-الأول : أن السائل لو كان له أولاد غير ابنته هذه, ولم يكن هناك ما يسوغ تخصيصه لها بهذه العطية, فلا بد من أن يعطي بقية أولاده ما يتحقق به العدل بينهم وبين هذه الابنة في العطية, وإلا كان هذا ظلما تبطل به الهبة في الحياة وبعد الممات، وراجع الفتوى رقم 107734.
-والثاني: أن السائل لو كان يقصد بهذه الهبة الإضرار ببعض الورثة أو حرمانهم , فإن ذلك لا يجوز له, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ضرر ولا ضرار . رواه أحمد وابن ماجه , وصححه الألباني . وراجع في تفصيل ذلك الفتويين : 106777,112948.
والله أعلم