الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما ثبوت الأحاديث الواردة في الفتوى المشار إليها فقد ذكرنا كلام أهل العلم في تصحيحها والحكم عليها وهؤلاء هم من يعول عليهم في الحكم على الحديث من حيث الثبوت أو عدمه، وأما أنها لا تدل على ما قررناه من جواز التقبيل فغير مسلم لك إذ الأصل في أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم عدم الخصوصية كما هو معروف عند أهل العلم كما نقل المباركفوري في تحفة الأحوذي عن القاضي عياض أنه قال: الأصل عدم الخصوصية وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل. اهـ.
وفعل السلف مثل ذلك مع غيره دليل على عدم الخصوصية، فالحكم على هذا الأمر بالمنع غير سليم فكيف بالقول أنه شرك بالله عز وجل لا شك أن هذه مجازفة عظيمة.
وأما ذكرك لأئمة الجور ففي غير محله، إذ إننا لم نقل إن كل من أمرنا بطاعته جاز تقبيل يديه ورجليه، وإنما يشرع فعل ذلك مع من يستحقه من أهل الفضل كالعلماء والصالحين والوالدين... وهذا فيما يتعلق بالمسألة الأولى.
وأما المسألة الثانية فما وقعت فيه في المسألة الأولى وقعت فيه هنا وهو أنك قررت أمرا لم تورد لنا فيه عن أهل العلم نقلا. ولا يصح ما ذكرت من أن الشك ليس مذموما مطلقا بل هو مذموم مطلقا، فقد ورد القرآن بذمه، قال تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ {الدخان: 9 }.
وكل من الشك والظن والوهم مذموم في مجال الاعتقاد، فلا ينفع إلا اليقين ويطلق الظن في القرآن على الاعتقاد الفاسد مطلقا، قال الله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ {الأنعام: 116}
قال ابن كثير عند تفسيره هذه الآية:( إن تتبعون إلا الظن) أي الوهم والخيال ، والمراد بالظن هاهنا الاعتقاد الفاسد) اهـ.
فهذا الذي أردناه في فتوانا السابقة، أما الشك كمرحلة من مراحل العلم بالشيء أو درجة من درجات العلم كما يذكره علماء المنطق ويعرفونه بأنه: إدراك الشيء مع احتمال ضد مساو فهو بهذا المعنى الاصطلاحي قد يصح أن يقال إنه نصف العلم.
وننصحك بأن تشغل نفسك بالبحث عما وراءه عمل ولا تشغلها بمثل هذا الجدال، ومن أهم ما ينبغي أن يحرص عليه المسلم العلم النافع والعمل الصالح، وقد أحسن من قال:
كن طالبا للعلم واعمل صالحا * فهما إلى سبل الهدى سببان
والسبيل الصحيح لطلب العلم هو البدء بصغاره قبل كباره والتدرج فيه، فقد قال الله تعالى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ {آل عمران:79}
والربانيون واحدهم رباني منسوب إلى الرب. والرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، وكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور، روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما. اهـ.
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 121529.
والله أعلم.