الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم يرد حديث في الأمر بالصيام قبل صلاة الاستسقاء, لكن استحب ذلك كثير من الفقهاء, واستدلوا على ذلك بعمومات الأحاديث الدالة على إجابة دعوة الصائم, وبأن الصوم أخشع للقلب وأدعى لحضوره عند الدعاء.
قال الرملي في نهاية المحتاج: ويأمرهم الإمام استحبابا أو من يقوم مقامه بصيام ثلاثة أيام أولا متتابعة مع يوم الخروج، لأن الصوم معين على الرياضة والخشوع وصح: ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل والمظلوم .والتقدير بالثلاثة مأخوذ من كفارة اليمين لأنه أقل ما ورد في الكفارة. انتهى.
وقال في كشاف القناع:( وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس) أي خوفهم وذكرهم بالخير لترق به قلوبهم وينصحهم ويذكرهم بالعواقب، وأمرهم بالتوبة من المعاصي وبالخروج من المظالم وبأداء الحقوق وذلك واجب ... والصيام قال جماعة ثلاثة أيام يخرجون في آخرها صياما لأنه وسيلة إلى نزول الغيث، وقد روي دعوة الصائم لا ترد. ولما فيه من كسر الشهوة وحضور القلب والتذلل للرب ولا يلزمهم الصيام بأمره كالصدقة مع أنهم صرحوا بوجوب طاعته في غير المعصية وذكره بعضهم إجماعا. قال في الفروع: ولعل المراد في السياسة والتدبير والأمور المجتهد فيها لا مطلقا ولهذا جزم بعضهم تجب في الطاعة وتسن في المسنون وتكره في المكروه. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية بيان مذاهب العلماء في هذه المسألة على ما يلي: اتفقت المذاهب عل الصيام، ولكنهم اختلفوا في مقداره، والخروج به إلى الاستسقاء، لأن الصيام مظنة إجابة الدعاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر ... ولما فيه من كسر الشهوة، وحضور القلب، والتذلل للرب.
قال الشافعية, والحنفية , وبعض المالكية : يأمرهم الإمام بصوم ثلاثة أيام قبل الخروج , ويخرجون في اليوم الرابع وهم صيام.
وقال بعض المالكية بالخروج بعد الصيام في اليوم الرابع مفطرين ؛ للتقوي على الدعاء , كيوم عرفة.
وقال الحنابلة بالصيام ثلاثة أيام, ويخرجون في آخر أيام صيامهم. انتهى.
وبما ذكرناه تعلم أن الفقهاء لم يستدلوا على هذه المسألة بنص مخصوص, ولذا ذهب بعض العلماء إلى عدم مشروعية أمر الإمام الناس بالصيام على هذا النحو, وهو ترجيح الشيخ العثيمين رحمه الله. وعبارته كما في الشرح الممتع: قوله: "والصيام" أي: يأمرهم أن يصوموا.
قال بعض العلماء: يأمرهم أن يصوموا ثلاثة أيام, ويخرج في اليوم الثالث.
وقال بعضهم: يجعل الاستسقاء يوم اثنين أو خميس؛ لأن يومي الاثنين والخميس مما يسن صيامهما, فيكون خروج الناس وهم صائمون, والصائم أقرب إلى إجابة الدعوة من المفطر, فإن للصائم دعوة لا ترد, هكذا قال المؤلف-رحمه الله-. ولكن في هذا نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الاستسقاء لم يأمر أصحابه أن يصوموا.
أما ما ذكره المؤلف أولا من التوبة من المعاصي, والخروج من المظالم فهذه مناسبة, لكن الصيام طاعة تحتاج إلى إثباتها بدليل, وإذا كان الأمر قد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يأمر أصحابه بالصيام, فلا وجه للأمر به.
لكن نقول: لو اختار يوم الإثنين ولم يجعله سنة راتبة دائما من أجل أن يصادف صيام بعض الناس, لو قيل بهذا لم يكن فيه بأس.
لكن كوننا نجعله سنة راتبة لا يكون الاستسقاء إلا في يوم الإثنين, أو نأمر الناس بالصوم, فهذا فيه نظر. انتهى.
والله أعلم.