الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصلاة في النعال والخفاف جائزة بلا شك، وليست الصلاة فيها من لباس الشهرة. وقد عقد البخاري في صحيحه بابا للصلاة في النعال وذكر فيه حديث سعيد بن يزيد الأزدي، قال: سألت أنس بن مالك: أكان النبي يصلي في نعليه؟ قال: نعم.
وعقد بعده بابا للصلاة في الخفاف، وذكر فيه حديث جرير وحديث المغيرة في مسح النبي صلى الله عليه وسلم على خفيه، والظاهر أنه صلى فيهما. قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله: والصلاة في النعلين جائزة، لا اختلاف بين العلماء في ذلك. وقد قال أحمد: لا بأس أن يصلي في نعليه إذا كانتا طاهرتين، وكلام أكثر السلف يدل على أن الصلاة في النعلين أفضل من الصلاة حافيا، وقال الشافعي ـ ونقلوه عنه ـ أن خلع النعلين في الصلاة أفضل لما فيه من مباشرة المصلي بأطراف القدمين إذا سجد عليهما، ووافقهم على ذلك القاضي أبو يعلى وغيره من أصحابنا. انتهى مختصرا.
وقال أيضا: وقد صرح القائلون باستحباب خلع النعلين في الصلاة: أنه إذا كان قد مسح على الخفين ثم أراد الصلاة فإنه لو نزعها لانتفضت طهارته عندهم، كما سبق ذكره في أبواب نقض الوضوء، فلذلك كان الأولى له أن يصلي في خفيه، وليس لنا موضع يكره أن يصلي فيه في النعلين والخفين إلا الكعبة، فإنه يكره لمن دخلها أن يلبس خفيه، أو نعليه: نص عليه عطاء ومجاهد وأحمد, وقال: لا أعلم أحدا رخص فيه. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله: قوله: يصلي في نعليه ـ قال ابن بطال: هو محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة، ثم هي من الرخص كما قال ابن دقيق العيد لا من المستحبات، لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة, وهو وإن كان من ملابس الزينة إلا أن ملامسته الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة، وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية، لأنها من باب دفع المفاسد، والأخرى من باب جلب المصالح، قال: إلا أن يرد دليل بإلحاقه بما يتجمل به فيرجع إليه ويترك هذا النظر، قلت: قد روى أبو داود والحاكم من حديث شداد بن أوس مرفوعا: خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم ـ فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة المذكورة. انتهى.
فإذا علمت هذا وتبين لك أن الصلاة في النعال والخفاف إما جائزة وإما مستحبة، فإن أردت أن تصلي في نعليك أو خفيك وكان الناس يستنكرون ذلك فبين لهم أدلة ذلك بأسلوب يفهمونه ويقبلونه، فإن خشيت حصول مفسدة جراء ذلك فلك سعة في ترك هذا الأمر. وأنت مأجور على الترك إذا قصدت به دفع المفسدة وتأليف القلوب ريثما تتبين السنة للناس. وراجع للفائدة حول هذه المسألة الفتوى رقم: 134457
والله أعلم.