الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب أن يظل الوقف باقياً يعمل فيه حسب شروط الواقف، ولا يجوز بيعه ولا التصرف فيه بما يخرجه عن وقفيته، فإذا خرب الوقف وتعطلت منافعه جاز على الراجح استبداله بغيره، وهذه رواية عن الإمام أحمد: أنه لا يجوز بيعه ولا استبداله بغيره إلا أن تتعطل منافعه بالكلية، ولم يمكن الانتفاع به ولا تعميره وإصلاحه، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أبعد من ذلك، حيث قال: ومع الحاجة يجب إبدال الوقف بمثله، وبلا حاجة يجوز بخير منه لظهور المصلحة. اهـ. وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 6609، 110727، 107708.
قال ابن قدامة في المغني: الوقف إذا خرب وتعطلت منافعه، كدار انهدمت، أو أرض خربت وعادت مواتا ولم تمكن عمارتها، أو مسجد انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلى فيه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه، أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته، وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه. اهـ.
وهذا الوقف المذكور في السؤال من هذا النوع، بل هو أبعد منه، فإن الدار لم تنهدم فحسب، بل قد بيعت أرضها وأنشئت فوقها عمارة سكنية بالفعل، والذي يمكن فعله الآن أن يبحث عن عقار آخر يمكن وقفه بثمن المنزل الموقوف ـ الثلاثة آلاف ـ ويعمل في الوقف الجديد بالشرط المذكور في السؤال نفسه، وهذا كله مترتب على حكمنا على هذا المنزل بأحكام الوقف، وهذا إنما يكون لو أوقفه صاحبه حال حياته من غير تعليق بالموت، أما لو كان الوقف معلقا على الوفاة ـ كما هو ظاهر السؤال ـ فلا يجوز للشخص أن يوقف أكثر من الثلث، لأن الوقف حينئذ وصية، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 48794.
وفي هذه الحالة لابد من النظر: هل للواقف ورثة غير زوجته المذكورة والتي تصرفت في شروط الوقف بحسب وصية زوجها، فإن لم يكن له ورثة غيرها فالجواب بنحو ما تقدم، وإن كان له ورثة غيرها فلا تنفذ الوصية إلا في حدود الثلث، مضافا إليه نصيب الزوجة وهو هنا الربع، وأما بقية التركة وهي هنا 1500 جنيه فهي من حق بقية الورثة، وعلى السائل حينئذ أن يبذل وسعه في البحث عنهم وإيصال هذا الحق لهم، فإن يئس من ذلك فلينفق نصيبهم في المصالح العامة، ومنها الوقف المذكور في السؤال.
والله أعلم.