الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يحسن عزاءكم، في أخيكم وأن يغفر له ويرحمه، وأن يلهمكم الصبر وأن يعينكم على بر أبيكم، وإن مما يعين السائل وذويه على الصبر والاحتساب أن يعلموا أن جزاء الصبر على فقيدهم إنما هو الجنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة. رواه البخاري.
والصَّفِيُّ: قال الحافظ ابن حجر: هو الحبيب المصافي ـ كالولد والأخ وكل من يحبه الإنسان ـ والمراد بالقبض قبض روحه وهو الموت. اهـ.
وأما تأخرك في استلام الصك المذكور: فلا نرى أنك تأثم به ما دمت لم يصلك أمر رسمي من الجهات المعنية ولست موكلا من طرف والدك على الأمر، ولكن ما ذكرته في حق والدك من الحزن ليس مسوغا لتأخير أخذ حقوقه، ولا يجوز له ذلك إذا كان يترتب على هذا التأخير سجن هذا الآخر بغير حق، وأما بالنسبة لك فمن باب معاملة الناس بالحسنى وتفريج كربهم وإقالة عثراتهم، ينبغي لك أن تبذل ما بوسعك في إطلاق هذا السجين، لأن الإحسان إلى المكروب من الأعمال التي يتقرب بها العبد، لما في ذلك من تفريج كربته وكربة أهله وقضاء حاجتهم وإدخال السرور عليهم،
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، وحسنه الألباني.
والله أعلم.