الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يحل لهذا الرجل أن يقوم بتوصيل النصارى إلى كنائسهم ولا توصيل من يرقصون في عيدهم , فإن النصارى وإن كانوا يقرون على دينهم فلا يجوز لنا معاونتهم على شيء من شعائرهم ودينهم الباطل المحرف, وذلك لقوله تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. {المائدة:2}. وهذا مذهب الجمهور؛ خلافا للحنفية الذين ذهبوا إلى جواز الإجارة في مثل هذه الصورة.
قال في الدر المختار : وجاز تعمير كنيسة، وحمل خمر ذمي بنفسه أو دابته بأجر لا عصرها لقيام المعصية بعينه . انتهى .
فعلم منه أن هذه الصورة تجوز عند الحنفية كما لو استأجره ليوصله إلى غير الكنيسة, ومذهب الجمهور أرجح وهو الأحوط والأبرأ للذمة والأحمد عاقبة.
جاء في المدونة : قلت : أرأيت الرجل , أيحل له أن يؤاجر نفسه في عمل كنيسة في قول مالك ؟ قال : لا يحل له ؛ لأن مالكا قال : لا يؤاجر الرجل نفسه في شيء مما حرم الله . قال مالك : ولا يكري داره ولا يبيعها ممن يتخذها كنيسة , ولا يكري دابته ممن يركبها إلى الكنيسة . انتهى .
وفي المدونة أيضا : قلت : أرأيت إن آجرت داري ممن يتخذها كنيسة أو بيت نار وأنا في مصر من الأمصار أو في قرية من قرى أهل الذمة ؟ قال : مالك : لا يعجبني أن يبيع الرجل داره ممن يتخذها كنيسة، ولا يؤاجر داره ممن يتخذها كنيسة، ولا يبيع شاته من المشركين إذا علم أنهم إنما يشترونها ليذبحوها لأعيادهم؟
قال مالك : ولا يكري دابته منهم إذا علم أنهم إنما استكروها ليركبوها إلى أعيادهم . انتهى.
وفي الاقتضاء لشيخ الاسلام رحمه الله : وأما مذهب أحمد في الإجارة لعمل ناووس ونحوه , فقال الآمدي : لا يجوز رواية واحدة ؛ لأن المنفعة المعقود عليها محرمة , وكذلك الإجارة لبناء كنيسة أو بيعة , أو صومعة , كالإجارة لكتب كتبهم المحرفة , وأما مسألة حمل الخمر والميتة والخنزير للنصراني أو للمسلم فقد تقدم لفظ أحمد أنه قال في من حمل خمرا أو خنزيرا أو ميتة لنصراني : فهو يكره أكل كرائه , ولكن يقضي للحمال بالكراء , وإذا كان للمسلم فهو أشد . انتهى .
وبه تعلم أن إجارة هذا الرجل نفسه لتوصيل النصارى إلى كنائسهم غير جائز عند الجمهور ولا للاحتفال بأعيادهم, فعليه أن يتوب إلى الله تعالى من هذا العمل ويبادر بالامتناع منه, وأما توصيل النصارى إلى غير الكنائس كبيوتهم أو نحو ذلك مما لا إعانة لهم فيه على كفرهم فهو جائز لا حرج فيه . وأما ما حصل له من الأجرة فيما سبق فنرجو أنه لا حرج عليه في الانتفاع بها لما سبق من نقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد بأنه يقضي بالأجرة للأجير فيما سبق ذكره من المنافع .
والله أعلم.