الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد دل مجموع آيات القرآن العزيز على أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، وأنه تعالى خلق الأرض أولا وكان خلقها في يومين، ثم خلق السماء في يومين، ثم دحى الأرض بعد ذلك بأن أخرج منها ماءها ومرعاها في يومين آخرين. فكان مجموع الأيام التي خلقت فيها الأرض ودحيت أربعة أيام، وإن كان دحوها وقع بعد خلق السماء.
وبه يعلم أن تفجير البحار والأنهار كان في آخر يومين من أيام خلق العالم، وهذا أرجح ما يقال في الجمع بين الآيات التي ظاهرها التعارض في هذا المعنى، وهو جمع حبر الأمة وترجمان القرآن أن ابن عباس رضي الله عنهما كما رواه عنه البخاري في صحيحه.
قال العلامة الشوكاني في فتح القدير: { والأرض بعد ذلك دحاها } أي بعد خلق السماء، ومعنى دحاها بسطها وهذا يدل على أن خلق الأرض بعد خلق السماء. ولا معارضة بين هذه الآية وبين ما تقدم في سورة فصلت من قوله : { ثم استوى إلى السماء }. بل الجمع بأنه سبحانه خلق الأرض أولا غير مدحوة ثم خلق السماء ثم دحا الأرض. وقد قدمنا الكلام على هذا مستوفى هنالك وقدمنا أيضا بحثا في هذا في أول سورة البقرة عند قوله : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا }. وذكر بعض أهل العلم أن بعد بمعنى مع كما في قوله : { عتل بعد ذلك زنيم }. وقيل بعد بمعنى قبل كقوله : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } أي من قبل الذكر والجمع الذي ذكرناه أولى وهو قول ابن عباس وغير واحد واختاره ابن جرير. ... - { أخرج منها ماءها ومرعاها } أي فجر من الأرض الأنهار والبحار والعيون وأخرج منها مرعاها : أي النبات الذي يرعى. انتهى.
وبه يتضح ما ذكرناه من أن دحو الأرض وشق بحارها وأنهارها كان في اليومين الأخيرين من أيام خلق العالم.
والله أعلم.