الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الكلام كاف في إقامة الحجة على هرقل بدليل أنه صدق بهذا وعلم أن محمدا رسول الله ولكنه ضن بملكه وامتنع عن الإسلام, أضف إلى ذلك أن هرقل كان يعلم بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأن هذا أوان ظهوره.
جاء في صحيح البخاري فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص, ثم أمر بأبوابها فغلقت, ثم اطلع, فقال : يا معشر الروم, هل لكم في الفلاح والرشد, وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب, فوجدوها قد غلقت, فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال: ردوهم علي، وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم، فقد رأيت, فسجدوا له, ورضوا عنه, فكان ذلك آخر شأن هرقل . انتهى .
وفيه أيضا : فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه.
وجاء في الجواب الصحيح لابن تيمية : لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل فقرأ كتابه وجمع الروم فأبوا عليه قال: فلما كان يوم الأحد لم يحضر أسقفهم الكبير وتمارض فأرسل إليه فأبى ثم أرسل إليه فأبى الثلاث مرات، فركب إليه فقال له أليس قد عرفت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بلى قال أليس قد رأيت ما ركبوا مني فأنت أطوع فيهم مني فتعال فادعهم قال وتأذن لي في ذلك قال نعم قال اذهب هو ذا أجيء قال فجاء بسواده إلى كنيستهم العظمى فلما رأوه خروا له سجدا الملك وغيره، فقام في المذبح فقال يا أبناء الموتى هذا النبي الذي بشر به عيسى وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فنخروا ووثبوا إليه فعضوه بأفواهمم حتى قتلوه قال وجعلوا يخرجون أضلاعه بالكلبتين حتى مات. انتهى .
ثم اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوتي جوامع الكلم، وهذا الكتاب مع إيجازه فإنه جامع نافع.
يقول النووي رحمه الله في شرحه على مسلم : ومنها استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة فإن قوله صلى الله عليه وسلم : أسلم تسلم . في نهاية من الاختصار وغاية من الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني مع ما فيه من بديع التجنيس وشموله لسلامته من خزي الدنيا بالحرب والسبي والقتل وأخذ الديار والأموال ومن عذاب الآخرة . انتهى .
ثم إن من تأمل الحوار الذي دار بين هرقل و أبي سفيان قبل إسلامه والذي ذكرناه في الفتوى رقم : 61873يعلم أن هرقل كان يعلم أن محمدا رسول الله حقا .
والله أعلم .